وصلت سلسلة «الشرق رياضة» للعد التنازلي الرقمي لموعد مونديال 2022 إلى الحلقات الثلاث الأخيرة، والتي سنتعرف خلالها على قصص أهم 3 نجوم ارتدوا القميص من 3 إلى 1 في تاريخ البطولة أيام الجمعة والسبت والأحد.
ركزنا في الشرق رياضة خلال سلسلة العد التنازلي، منذ يوم 1 نوفمبر 2022، على اللاعبين الذين تألقوا في المونديال بأرقام الأقمصة من 20 إلى 1، وشملت الحلقات اسماء لاعبين ظهروا في المونديال منذ نسخة سويسرا عام 1954 عندما قام الفيفا بتطبيق قانون كتابة الارقام على قمصان الفرق المشاركة.
كان الألماني أوليفر بيرهوف بطلاً لحلقة الرقم 20 الذي ارتداه في نسختين متتاليتين من كأس العالم 1998 و2002، وفي الحلقة التالية تطرقنا لصحاب أفضل أداء فردي في مونديال 1990، الإنجليزي بول جاسكوين الذي ارتدى الرقم 19.
ثم عرجنا نحو تجربة الألماني كلينسمان بالرقم 18 خلال حقبة التسعينيات، ثم المغربي عبد الرزاق خيري بالرقم 17 صاحب الفضل في أول تأهل عربي وأفريقي للدور الثاني من المونديال. وهداف هولندا التاريخي في كؤوس العالم "جوني ريب" صاحب الرقم 16، وروبرتو باجيو 15، ويوهان كرويف 14، وجيرد مولر 13، وتييري هنري 12، وميروزلاف كلوزه 11، ودييجو مارادونا 10، ورونالدو الظاهرة 9، وخريستو ستويتشكوف 8، وديفيد بيكهام 7، وأندريس إنييستا 6، وفرانز بيكنباور 5، وكارلوس ألبيرتو جوميز دي جيسوس 4.
واليوم الخميس 17 نوفمبر 2022، ومع تبقي 3 أيام على انطلاقة كأس العالم في قطر، نستعرض معكم قصة الكابيتانو الأنيق، أسطورة ميلان، ونجم إيطاليا في 4 نسخ للمونديال، واللاعب الأكثر مشاركة بعدد الدقائق في تاريخ كؤوس العالم "باولو تشيزاري مالديني".
الكابيتانو الأنيق
ظهر الكابيتانو الأنيق باولو مالديني، القائد الخالد للطليان وعشاق ميلان، في نهاية فترة الثمانينات بأسلوب لعب جديد وعقلية مختلفة عن معظم المدافعين الذين لعبوا خلال نفس فترته، ليقود ثورة تغيير بناها بنفسه على التنوع والاستعداد لتأدية أي دور في الخطوط الخلفية.
كان مالديني في الفترة من 1987 حتى 2009، مدافعًا شاملاً بأتم ما تحمله الكلمة من معنى، مزيجًا ما بين 3 أجيال مختلفة في عالم الدفاع، قوة وشراسة الثمانينات، ذكاء وسرعة التسعينات، هدوء وتعقل الالفية الجديدة، لهذا يصنف كأهم أسطورة للرقم 3 في تاريخ المستديرة.
أجاد في مركز الظهير الأيمن خلال بداية مسيرته، ثم درب نفسه على اللعب بالقدم اليسرى بمساعدة المدرب آريجو ساكي لينتقل للعب دور الظهير الأيسر، قبل أن يتحول في آخر 10 أعوام من مشواره إلى مركز قلب الدفاع.
لا يوجد لاعب واحد ارتدى رقم 3 في تاريخ كرة القدم استطاع أن يكون بهذا التنوع والتميز في جميع المناصب التي حصل عليها في الخطوط الخلفية.
كان بحق أسطورة لهذا الرقم ومن حسن الحظ أنه ظهر به في كأس العالم ليتم الحديث عنه الآن بدلاً من الألماني بول برايتنر أو الحارس البرازيلي جيلمار الذي تُوج بكأس العالم مرة بالرقم 3 في السويد 1958.
لم يفز مالديني بلقب عالمي مع المنتخب الإيطالي بهذا الرقم في مونديالي 1998 و2002 ويورو 2000، وحين نجح في التأهل لنصف نهائي مونديال 90 ونهائي مونديال 94 كان يلعب بأرقام أخرى غير 3!.
لكن حين تتحدث عن الرقم 3 وكأس العالم، تذهب ذاكرتك على الفور إلى سليل عائلة مالديني (باولو) بسبب التأثير العظيم الذي خلفه على عقلية المدافعين عمومًا، وفي مسيرة ومستقبل الرقم.
امتاز مالديني عن غيره من المنتجات الدفاعية لحقبة الثمانينات بالهدوء والتعقل، فلم يكن يُحب أذية الخصوم، ويهتم كثيرًا باللعب النظيف، وامتاع الجمهور بفن استخلاص الكرة من أكثر المهاجمين مهارة دون ارتكاب أخطاء كارثية قد تتسبب في إصابة الخصم، أو ارتكاب أخطاء يترتب عليها حصوله على بطاقات ملونة.
ويكفي أنه لم يُطرد سوى مرة واحدة فقط رفقة ميلان في منافسات الدوري الإيطالي لمدة 10 سنوات كاملة في الفترة من 1999 إلى 2009.
مالديني بعد جينتيلي وجويكوتشيا
في الخمسة عقود الأولى من كأس العالم لكرة القدم بالفترة من (1930-1990)، اعتاد الجمهور على القوة المفرطة من المدافعين كنهج كلاسيكي متفق عليه في جميع المدارس الكروية، هذا النهج بُنيَ على الخشونة والأذية على حدٍ سواء، وعرف به أولئك الذين احترفوا اللعبة في إيطاليا التي كانت تمتلك أقوى منافسة محلية في العالم ولقبت لسنين بجنة كرة القدم، بالتالي طُبعت نفس الفكرة في الاذهان عن جميع لاعبي خط دفاع المنتخب الإيطالي الذي اعتمد كذلك لسنين على خطة الكماشة الشهيرة والمعروفة بالكاتيناتشو.
حاول الفيفا التدخل بصفة دائمة بتطوير قوانين العقوبات بهدف الحد من خشونة المدافعين، وعلى أمل ظهور نوعية جديدة تركز في اللعب على الكرة لا على الاجساد والاقدام. هذا ما حدث في ألمانيا بفضل فرانز بيكنباور، وفي البرازيل بفضل كارلوس ألبيرتو جيسوس خلال السبعينيات، لكن الحال ظل كما هو عليه في الثمانينات.
تزعم عصابة المدافعين الجزارين في تلك الحقبة، الإيطالي كلاوديو جينتيلي، الذي لم يكن أسلوبه مهذبًا أبدًا مع خصومه، والإسباني أندوني جويكوتشيا الذي أصاب مارادونا في مناسبتين، ولُقب بكل فخر في الباسك بـ «جزار بلباو»، وفي إنجلترا تواجد المدافع "تيري بوتشر" ومعنى الاسم كاف لتوضيح حجم المعاناة عند مُجابهته.
تسبب أسلوب اللعب الذي اتبعه معظم المدافعين أثناء نشأة مالديني في أكاديمية ميلان، والذي يعتمد على الصلابة والقوة والخشونة، والغباء أحيانًا في استخلاص الكرة، في سيطرة التشاؤم على مسؤولي الفبفا، فكل المؤشرات لم تكن تبشر أبدًا بانتاج مدافع وقائد أنيق مثل باولو مالديني في يوم من الآن.
لكن عقلية الكابيتانو كانت مغايرة تمامًا وفاقت كل مَن سبقوه، ليقود مرحلة التسعينيات بمهاراته الطبيعية وتمريراته العرضية المتقنة من وضع الحركة، وتعامله الهاديء مع المهاجمين باستخلاص الكرة بذكاء مهما كانت سرعة وقوة خصمه.
تستطيع القول أن مالديني أسس «مدرسة الاستخلاص الذكي للكرة من الخصم دون أذى»، كما كان مميزًا في تغطية المساحات وأجاد في 3 مراكز و3 أرقام مختلفة، حيث كان يتوقع التمريرات البينية بفطنة عالية، وعند الاستحواذ يعرف متى يتقدم كظهير لتأدية الدور الهجومي ومتى يبقى في الخطوط الخلفية.
الابن يُعوض اخفاق الأب
ولج باولو، نجل المدافع الإيطالي الشهير في ستينيات القرن الماضي تشيزاري مالديني، عالم النجومية منذ أيامه الأولى مع كرة القدم، حيث تم تصعيده في سن مُبكرة للمشاركة كأساسي مع الفريق الأول لنادي ميلان عام 1989.
سرعان ما ذاق باولو مالديني طعم التمثيل الدولي باستدعاء رسمي من المدير الفني للمنتخب الإيطالي «أزيليو فيتشيني» وعمره آنذاك لم يتجاوز الـ 22 ربيعًا.
تواجد مالديني على الفور في تشكيلة إيطاليا، وخاض 7 مباريات كأساسي في كأس العالم 1990 التي استضافته بلده، لكن في تلك النسخة لم يرتد قميصه المُحبب "3".
ارتدى باولو الرقم 7 في مشاركته المونديالية الأولى عندما ساهم في بلوغ إيطاليا للدور نصف النهائي.
السعادة ملأت بيت العائلة الكروية الأصيلة بما فعله باولو خلال أول ظهور مونديالي له، فالوالد «تشيزاري» الذي حمل الرقم 5 في نسخة مونديال تشيلي 1962، لم يستطع لعب أكثر من مباراتين خلال دور المجموعات.
وخاض تشيزاري لقاءه الأول أمام ألمانيا الغربية وانتهت المقابلة بالتعادل (0/0)، وغاب المدافع صاحب الـ 30 عامًا خلال الجولة الثانية أمام تشيلي عندما خسرت إيطاليا 2-0، وفي الجولة الثالثة من المجموعة B لم يساعد الفوز علي سويسرا 3-0 لتحقيق التأهل.
توقفت مسيرة مالديني الأب مع المونديال بعد تلك النسخة، إذ أخفق في التواجد مع الأتزوري في مونديال إنجلترا 1966 ليعتزل الكرة في العام التالي بعمر 37 سنة.
أسطوري بـ 3 أرقام
تخلص باولو مالديني سريعًا من الرقم 7، وارتدى الرقم 3 مع المنتخب في التصفيات المؤهل لمونديال الولايات المتحدة الأميركية، لكنه أجبر على تغييره بالرقم 5 الذي كان اكتسب شعبية عظيمة خلال الثمانينيات بفضل ما قدمه الألماني فرانز بيكنباور.
عقب انتهاء مسيرة المدافع أنتوني بيناريفو مع المنتخب الإيطالي في عام 1995، سيطر مالديني على الرقم 3 وصار أيقونة له، كيف لا وهو لم يرتد إلا هذا الرقم طوال مسيرته رفقة ميلان باستثناء أول 5 مواسم له في الفترة من 1989 إلى 1995 عندما حمل الرقمين 5 و6.
كان أداء مالديني أسطوريًا في الـ 3 أرقام، ففي مونديال 1990 بالرقم 7 لم تهتز شباك إيطاليا لـ 5 مباريات متتالية، حتى استقبلت أول هدف في نصف النهائي أمام الأرجنتين مارادونا.
وفي مونديال 1994 بالرقم 5، لعب مالديني 7 مباريات أخرى، حمل شارة القيادة في 4 منهم، ولم تهتز شباك المنتخب الإيطالي سوى بخمسة أهداف، وقاد الفريق للحفاظ على نظافة شباكه أمام البرازيل في النهائي.
واصل مالديني حمل شارة قيادة إيطاليا للنسخة جديدة في مونديال 1998، وهذه المرة ارتدى رقمه المفضل (3)، واستطاع قيادة الفريق للدور ربع النهائي بأداء مثالي أكسبه شعبية كبيرة بين جميع مدافعي العالم، لدرجة ترشحيه من قبل البعض كي يكون ضمن أفضل 3 لاعبين في العالم.
كان أهم اختبار لمالديني في تلك النسخة من المونديال، في الدور ثمن النهائي، أمام ناطحات سحاب النرويج «توري آندرو فلو وأولي جونار سولشاير»، وحافظت إيطاليا على نظافة شباكها وفازت بهدف دون رد.
كما عجز أصحاب الضيافة "فرنسا" عن هز شباك حارس إيطاليا جاليوكا باليوكا في وجود مالديني بمباراة الدور ربع النهائي، وجاء ترشح رفاق زيدان إلى نصف النهائي بفارق ركلات الجزاء، تمامًا مثلما فعلت البرازيل للتتويج، فقد كان الحل دائمًا في وجود مالديني إما ركلات الجزاء أو الهدف الذهبي كما حدث في نسخة مونديال 2002.
اهتزت شباك إيطاليا 3 مرات خلال دور مجموعات مونديال كوريا واليابان، بثنائية من كرواتيا وبهدف من المكسيك، وفي الافتتاح انتصر الأتزوري 2-0 أمام الإكوادور، ليقود مالديني بلاده لثمن النهائي، ومن ثم الخروج على يد أصحاب الضيافة «كوريا الجنوبية» بهدف ذهبي قاتل 1/2، وكانت إيطاليا أكملت المباراة بـ 10 لاعبين بعد طرد فرانشيسكو توتي في الدقيقة 103 من الشوط الإضافي الأول.
اختتم مالديني مسيرته بالرقم 3 مع منتخب إيطاليا في عام 2002 حين لعب للمرة الأخيرة أمام كوريا الجنوبية، من أجل افساح المجال للاعبين آخرين، وكان عمره آنذاك 34 عامًا وفي جعبته 126 مباراة دولية و7 أهداف.
هكذا كانت قصة مالديني مع الرقم 3 "خالدة" ولن تُمحى بسهولة من ذاكرة كرة القدم، إلا لو جاء لاعب من بعده حمل نفس الرقم في المونديال وقدم "الإضافة والجديد" كظهير أيمن وأيسر وفي مركز قلب الدفاع كما فعل مالديني على مدار مشواره بـ 3 مراكز و3 أرقام، كان أبرزهم الرقم 3 من دون شك.
نراكم غدًا في الحلقة قبل الأخيرة من هذا العد التنازلي..
من هم أفضل 3 لاعبين حملوا الرقم 3؟
باولو مالديني - ايطاليا. مونديال 1998 و2002 (ارتدى الرقم 7 في مونديال 1990، ورقم 5 في مونديال 1994).
بول برايتنر - ألمانيا. مونديال 1974 و1982. آندرياس بريمه - ألمانيا. مونديال 1986 و1990 و1994.
طالع الحلقات السابقة من سلسلة أساطير الأرقام في المونديال
(17 يومًا) قاتل أحلام البرتغاليين
(13 يومًا) دير بومبر
(12 يومًا) هدية فان باستن الحزين
(7 أيام) بيكس أقوى من كريس