خاص -محمود ماهر
تدخل سلسلة «الشرق رياضة» للعد التنازلي الرقمي لموعد مونديال 2022، المنعرج الأخير، قبل أيام بل ساعات من انطلاق كأس العالم يوم 20 نوفمبر الجاري لأول مرة في تاريخ المنطقة العربية حين تستضيفه الأراضي القطرية حتى 18 ديسمبر.
خصص الشرق على مدار الأسبوعين الماضيين، تحديدًا منذ بداية العد التنازلي لـ 20 يومًا على موعد بداية المونديال، سلسلة استثنائية عن اللاعبين "الأكثر تأثيرًا في المونديال بالقمصان من 20 لـ 1"، ووقع الاختيار على اللاعبين الذين ظهروا بدءًا من مونديال سويسرا 1954 عندما بدأ الفيفا تطبيق قانون كتابة الارقام على قمصان المنتخبات المشاركة في البطولة.
خلال الحلقات الماضية من هذه السلسلة، استعرضنا معكم قصة الألماني أوليفر بيرهوف مع الرقم 20 في كأس العالم، ثم الإنجليزي بول جاسكوين مع الرقم 19، والألماني كلينسمان 18، والمغربي عبد الرزاق خيري 17، وجوني ريب 16، وروبرتو باجيو 15، ويوهان كرويف 14، وجيرد مولر 13، وتييري هنري 12، وميروزلاف كلوزه 11، ودييجو مارادونا 10، ورونالدو الظاهرة 9، وخريستو ستويتشكوف 8، وديفيد بيكهام 7.
اليوم الاثنين 14 نوفمبر، مع تبقي 6 أيام على بداية الحدث الكبير، نأخذكم في رحلة مع قصة أسطورة هذا الرقم في تاريخ المونديال، الرسام العالمي "أندريس إنييستا لوخان" الذي لُقب بـ 6 ألقاب فاتنة خلال مسيرته الاستثنائية مع منتخب إسبانيا «الرسام، إل أنتي جالاكتيكو، ال ايلوزيونيستا (الساحر)، إل سيريبرو (المخ)، دون أندريس، إل كاباييرو باليدو (الفارس الشاحب)».
همزة الوصل
إنييستا هو اسم مألوف لأي مشجع لكرة القدم منذ 12 سنة مضت، فهو بنظر الكثيرين أحد أفضل اللاعبين في تاريخ اللعبة لما تمتع به من رؤية ثاقبة لجميع زوايا الملعب من خلال التمريرات الساحرة التي كان يَمد بها زملائه في منتخب إسبانيا ونادي برشلونة.
لم تؤثر قصر قامة إنييستا على قدراته العجيبة على عملية الفحص الدقيق للنقاط العمياء للخصوم والثغرات بين الخطوط، مع إجادة تامة في عملية التخلص من أي مدافع بالمراوغات غير الاستعراضية مستعينًا بخفة حركته ورشاقته وليونته الجسدية.
من خلال المستوى الذي قدمه في كؤوس العالم، خاصةً في نسخة مونديال جنوب أفريقيا 2010، نستطيع القول إن «أندرياس إنييستا» بَدل من مفاهيم كثيرة حول طبيعة الرقم 6 في تاريخ كرة القدم وليس في كأس العالم فقط.
النظرة المأخوذة منذ ستينيات القرن الماضي عن هذا الرقم أن صاحبه مُجرد قلب دفاع كلاسيكي مثل الإنجليزي «بوبي مور» في كأسي العالم 1966 و1970.
وإذا كان لاعبًا يتحلى بالموهبة والقدرة على بدء الهجمة فهو بالتأكيد مدافع ليبرو مثل الألماني فرانز بيكنباور.
في العادة كان يُنظر له على أنه قلب دفاع شرس مثل الإيطالي الشهير «فرانكو باريزي» في كأس العالم 1994 أو الإنجليزي «تيري بوتشر» في مونديال 90، أو ظهير أيسر سريع مثل البرازيلي «روبرتو كارلوس» في مونديالات 98 و2002 و2006.
في العصر الحديث، وحتى وقت قريب جدًا قبل ظهور «الرسام العالمي» بين صفوف برشلونة بإشارة من المدرب الهولندي فرانك ريكارد، عندما كنت تسمع أي مدير فني قبل عام 2008 حول حاجته مثلاً للتعاقد مع لاعب رقم 6 في سوق الانتقالات أو افتقاده لوجود هذا النموذج في فريقه، على الفور كنت تفهم أنه يقصد لاعب وسط ارتكاز مثل الإيرلندي «روي كين» أو الألماني «كارستن راميلوف» أو البرازيلي «كارلوس دونجا» أو الفرنسي «كلود ماكيليلي».
لكن بعد ما قدمه إنييستا في دور «همزة الوصل» بين لاعبي الوسط وبعضهم، وبين كل الوسط والهجوم، وقدرته على المراوغة والاختراق، والتسديد الدقيق من خارج وداخل منطقة الجزاء كما فعل أمام هولندا في الاكسترا تايم بنهائي مونديال 2010، أصبحت الحيرة تُصيب الجمهور عند سماع مصطلح اللاعب الرقم 6، هل المقصود إنييستا أم بوسكيتس؟ هل المقصود لاعب فنان يبني الهجمات ويُقرب الخطوط من بعضها البعض، أم مُجرد لاعب قوي البنيان يقوم بهدم هجمات الخصوم.
كان إنييستا مُتعدد الاستخدامات بشكل عام خلال مسيرته مع برشلونة وإسبانيا، يقود الوسط بشكل جيد جدًا، لدرجة أنه حصل على لقب «المايسترو» بالاضافة إلى المزيد من الألقاب الأخرى مثل «المخ» بسبب الذكاء، والفارس الشاحب نظرًا لملامحه وتقاسيم وجهه التي لم تُعبر أبدًا عن سنه الحقيقي.
ماذا قدم إنييستا مع إسبانيا في كأس العالم؟
تَكون إنييستا في أكاديمية لاماسيا التابعة لنادي برشلونة في عام 2002 رفقة ليونيل ميسي. وبعدها انتظر طويلاً للحصول على فرصته الأولى مع الفريق، فلم يبدأ باستمرار وظل مُهمشًا حتى بعد وصول المدرب الهولندي فرانك ريكارد الذي منحه القليل من الفرص، رغم المرونة التي تحلى بها بالاستعداد بتأدية أي دور على أرض الملعب.
تفضيل ريكارد للاعب الوسط البرتغالي أندرسون ديكو والهولندي مارك فان بوميل معظم الوقت، تسبب في تراجع فرص إنييستا للعب الأدوار الأولى مع المنتخب الإسباني في كأس العالم 2006 الذي أقيم على الأراضي الألمانية.
اكتفى الرسام بلعب مباراة وحيدة في تلك النسخة من المونديال، حين ارتدى الرقم 13، الذي كان يحمله الحارس الأسبق لناديي مانشستر يونايتد وأوساسونا «ريكاردو لوبيز» في مونديال 2002.
سَجل إنييستا ظهوره المونديالي الأول في لقاء السعودية بالجولة الثالثة من المجموعة الثامنة التي ضمت أوكرانيا وتونس، ورغم تألقه لمدة 90 دقيقة ضد الأخضر، رفض المدرب الراحل «لويس أروجانيس» الاستعانة به ولو كبديل أمام فرنسا، ليودع منتخب لاروخا من ثمن النهائي بنتيجة 1/3.
دخل إنييستا مونديال 2010 بتوقعات أكبر وبشعبية ونجومية غير عادية بفضل قيادة برشلونة للتتويج بلقب دوري أبطال أوروبا 2009 بعد كان صاحب الفضل في الترشح للنهائي بهدفه القاتل في مرمى تشيلسي بالدور نصف النهائي على ملعب ستامفورد بريدج والذي حمل لقب "غدارة".
استطاع الرسام المشاركة كأساسي أمام سويسرا تحت قيادة المدرب فيثينتي ديل بوسكي الذي كان يَعي أهميته في منظومة الوسط. قدم الرسام مستوى مميز للغاية أمام الساعات السويسرية، لكن لاروخا خسروا بهدف دون رد على عكس سير المباراة، ليبدأ التشكيك في قدرات الفريق على تحقيق شيء يذكر في المونديال، خاصةً أن المنتخب التشيلي تواجد في نفس المجموعة.
غاب إنييستا عن المباراة الثانية أمام هندوراس، حيث فضل ديل بوسكي البدء بتشابي ألونسو مع تشافي هيرنانديز وسيرخيو بوسكيتس، والثلاثي السريع في الهجوم دافيد فيا وفرناندو توريس وخيسوس نافاس، لتنتهي المباراة بفوز إسبانيا بهدفين للجواخي فيا.
في المباراة الثالثة من دور المجموعات، استعاد أندريس إنييستا منصبه في خط الوسط، بفضل تعديل تكتيكي قرره ديل بوسكي بتغيير الخطة من 4-3-3 إلى 4-4-2، بالاستغناء عن خيسوس نافاس بهدف تقوية خط الوسط أمام الاندفاع البدني المنتظر من منتخب تشيلي في وجود لاعبين مثل أرتورو فيدال وماركو إسترادا والموهوب خورخي فالديفيا.
دشن إنييستا في تلك المباراة باكورة أهدافه في كؤوس العالم عند الدقيقة 37، حين أضاف الهدف الثاني بعد دقائق من هدف دافيد فيا، وتسبب هدفه في فوز إسبانيا بالنقاط الثلاث، حيث سجل رودريجو ميلار هدف التقليص لصالح منتخب لاروخا اللاتيني مطلع الشوط الثاني.
تأكد ديل بوسكي من مدى أهمية إنييستا في تشكيلته عقب تلك المباراة تحديدًا، فقرر ألا يستغني عنه أبدًا في المباريات التالية، ليُشركه كأساسي في جميع المباريات الإقصائية أمام «البرتغال وباراجواي وألمانيا» ثم أمام هولندا في النهائي.
انتهت جميع المباريات الإقصائية التي لعبتها إسبانيا بنفس النتيجة (1-0) وخلال 90 دقيقة، وتكررت نفس النتيجة في النهائي لكن بعد التمديد لأشواط إضافية كادت تشهد تسجيل آرين روبن لهدف قاتل لولا تعملق إيكر كاسياس.
من الصعب تحديد مدى روعة إنييستا بالنظر إلى الإحصائيات الخاصة به في تلك النسخة من المونديال، فقد قدم قدرًا كبيرًا من التمريرات المفتاحية والحاسمة لزملائه خلال جميع المباريات الاقصائية.
لم يكن مثيرًا للاعجاب أمام المرمى إلا في لحظات نادرة، لعل أهمها عندما تحصل على تمريرة داخل المنطقة في الدقيقة 116 من الشوط الإضافي الثاني أمام هولندا ليُسجل منها الهدف الذي منح بلاده أول تتويج في تاريخ كأس العالم.
شبهه البعض بزيدان الإسباني بعدما خطف الأضواء بقوة في مونديال 2010، خاصةً في المباراة النهائية، تمامًا كما فعل زيزو مع فرنسا عام 1998 حين سجل ثنائية في مرمى البرازيل.
عاش إنييستا بعد هذا الوصف نفس تجربة زيدان مع كأس العالم، فقد ودع من النسخة التالية على الأراضي البرازيلية عام 2014 من الدور الأول كما حدث لفرنسا في الدور الأول عام 2002 بعد المشاركة كحامل للقب.
انتقمت هولندا من إنييستا ورفاقه بتسجيل 5 أهداف مقابل هدف في المباراة الافتتاحية للمجموعة الثانية التي كانت تضم تشيلي وأستراليا.
الأداء الذي قدمته إسبانيا آنذاك كان شاحبًا، ولم تكن خسارة على عكس سير اللعب كما في افتتاح مونديال 2010 أمام سويسرا.
لم يتحسن الفريق، ورفض ديل بوسكي تغيير قناعاته أمام تشيلي، ليتعرض لخسارة ثانية بهدفين دون رد، ليواصل ضحاياه في المونديال السابق الانتقام.
خلال الجولة الثالثة صنع إنييستا هدفًا من الثلاثية عديمة الفائدة التي سجلتها إسبانيا في مرمى الكانجرو الأسترالي، ليعود الفريق من البرازيل إلى مدريد يجر أذيال الخيبة للمرة الثانية في أقل من سنة، حيث كان قد خسر نصف نهائي كأس القارات بعد مباراة صاخبة ضد مفاجأة الولايات المتحدة الأميركية.
الرحيل عن برشلونة وآخر ظهور مونديالي
وضع إنييستا حدًا لمسيرته الاحترافية مع برشلونة قبل أيام من انطلاق مونديال روسيا 2018، وأعلن انتقاله إلى اليابان لتمثيل نادي فيسيل كوبي، والذي واصل معه حتى موعد مونديال 2022 في قطر.
قال المثل الأعلى لإنييستا «زين الدين زيدان» حول قرار اعتزاله اللعب على أعلى مستوى «من الصعب بالنسبة لأي شخص يحب كرة القدم رؤية لاعب مثل إنييستا يرحل عن الدوري الإسباني وأوروبا».
قال أيضًا «لا أنظر إليه كلاعب في برشلونة إنما أتحدث عن الأداء الذي يقدمه في الملاعب. عندما نذكر إنييستا لا نتحدث عن أندية إنما عن لاعب عظيم في عالم كرة القدم، يثير إعجابي بطريقة لعبه، أتمنى له الأفضل في المستقبل وخاصة في حياته الشخصية».
لكن هذا القرار لم يؤثر على المدرب المؤقت للمنتخب الإسباني «فرناندو هييرو» الذي استدعاه للتواجد في كأس العالم على أراضي القياصرة، بعدما تسلم دفة القيادة بشكل مفاجيء إثر خيانة لوبيتيجي للاتحاد الإسباني بالتعاقد مع ريال مدريد قبل أيام من انطلاق المونديال.
لا شك أن الأحداث التي سبقت المونديال ألقت بظلالها على أداء أسطورة الرقم 6 وجميع رفاقه في المنتخب الإسباني، فكانت البداية مُخيبة للآمال بالتعادل مع الجارة العنيدة «البرتغال» بنتيجة 3-3 ضمن المجموعة الثانية التي ضمت إيران والمغرب.
لعب إنييستا كأساسي في الافتتاح ضد البرتغال، وعاد ليشارك منذ البداية خلال الجولة الثانية ضد إيران حين صنع هدف الفوز الوحيد الذي تكفل بتسجيله دييجو كوستا عند الدقيقة 54.
في الجولة الثالثة، كادت تودع إسبانيا على يد المغرب، لولا تدخل إنييستا الذي صنع هدف التعادل لإيسكو في الدقيقة 19، ردًا على هدف التقدم الذي سجله خالد بوطيب في الدقيقة 14، وخلال الشوط الثاني ساهم في التعادل مرة أخرى بهدف إياجو أسباس في الدقيقة 91 بعد عشر دقائق من تسجيل يوسف النصيري لهدف المغرب الثاني، لينتهي اللقاء 2/2، وتبلغ إسبانيا ثمن النهائي.
رغم التقدم في السن وتراجع المخزون البدني لأندريس إنييستا، لكنه استطاع اكمال 120 دقيقة أمام أصحاب الضيافة «روسيا» في ثمن النهائي، وسجل ركلة جزاء ترجيحية، غير أن إهدار كوكي وإياجو أسباس أهدى التأهل للدب الروسي لمواجهة كرواتيا في ربع النهائي، ليودع إنييستا كأس العالم إلى الأبد.
سيظل إنييستا بعد تلك الرحلة أبرز وأشهر رقم 6 في كؤوس العالم، فقد تجاوزت سمعته الحدود ولم تكن محلية كما في حالة الإنجليزي بوبي مور أو الإيطالي فرانكو باريزي الذي لم يرتد هذا الرقم سوى مرة واحدة في 3 كؤوس عالم، مع الإشارة إلى أنه أسطورة الرقم 6 بالنسبة للأندية، حيث تم حجب الرقم للأبد من ناديه السابق ميلان تكريمًا له على مشواره الطويل.
من هم أفضل 6 لاعبين حملوا الرقم 6 في تاريخ كأس العالم؟
- أندريس إنييستا - إسبانيا. مونديال 2010 و2014 و2018 (لعب كأس العالم 2006 برقم 13).
- بوبي مور - إنجلترا. مونديال 1966 و1970 (لعب مونديال 1962 برقم 16).
- نيلتون سانتوس - البرازيل. مونديال 1962. (لعب مونديال 1950 دون رقم، ومونديال 1954 برقم 3، ومونديال 1958 برقم 12).
- روبرتو كارلوس - البرازيل. مونديال 1998 و2002 و2006.
- ماكسيم بوسيس - فرنسا. مونديال 1986 (لعب مونديال 1978 برقم 3 ومونديال 1982 برقم 4).
- فرانكو باريزي - إيطاليا. مونديال 1994 (لعب مونديالي 1982 و1990 برقم 2).
طالع الحلقات السابقة من سلسلة أساطير الأرقام في المونديال
(17 يومًا) قاتل أحلام البرتغاليين
(13 يومًا) دير بومبر
(12 يومًا) هدية فان باستن الحزين
(7 أيام) بيكس أقوى من كريس
الحلقة القادمة: العد التنازلي للمونديال (5 أيام) القيصر بيكنباور
تصنيفات
