لابورتا يفتعل "حرباً" مع ريال مدريد... لطمس ملف برشلونة ونيغريرا

time reading iconدقائق القراءة - 2
رئيس نادي برشلونة جوان لابورتا يعرض وثيقة وقرصاً مدمجاً خلال مؤتمره الصحافي - 17 أبريل 2023 - Reuters
رئيس نادي برشلونة جوان لابورتا يعرض وثيقة وقرصاً مدمجاً خلال مؤتمره الصحافي - 17 أبريل 2023 - Reuters
دبي-إيلي هيدموس

المؤتمر الصحافي الذي دام ساعتين، وعقده جوان لابورتا رئيس برشلونة الاثنين، بعد 62 يوماً على كشف مدفوعات النادي لخوسيه ماريا إنريكيز نيغريرا، النائب السابق لرئيس "اللجنة الفنية للحكام" في إسبانيا، لم يؤدِ سوى إلى إثارة مزيد من التساؤلات بشأن ملف يهزّ كرة القدم في العالم.

لابورتا لم يقدّم أي تفسير مقنع يبرّر دفع 7.3 مليون يورو لنيغريرا، بين عامَي 2001 و2018، كما وقع في تناقضات ومغالطات، لم ينقذه منها سوى أن معظم الصحافيين تجنّبوا طرح أسئلة محرجة. وحين فعل أحدهم، اكتفى لابورتا بأنه لم يفهم السؤال.

وفي نهاية المؤتمر الصحافي، لم يتردد الإعلاميون في التصفيق لرئيس برشلونة، كما لو كانوا مشجعين للنادي، علماً أن معظمهم كانوا كاتالونيين، فيما أن مراسل صحيفة "إلموندو" لم يحظَ بفرصة طرح سؤال عليه، ربما لأنها نشرت معلومات كثيرة بشأن هذا الملف.

يبقى أن ننتظر رأي القضاء في تبريرات لابورتا، الذي أصرّ على جرّ ريال مدريد إلى مستنقع نيغريرا، بوصفه بأنه "نادي النظام، نتيجة قربه من السلطة السياسية والاقتصادية والرياضية".

وكان واضحاً أن لابورتا يحاول صرف الأنظار عن جوهر المشكلة وتحويرها إلى "حرب" مع نادي العاصمة، وبالتالي استنهاض القاعدة الشعبية للنادي الكاتالوني ضد "عدوّ" خارجي مفترض، علماً أنه ندّد بدوائر نفوذ مناهضة لـ"النزعة الكاتالونية المنفتحة على العالم" لبرشلونة.

وثائق "منتهية الصلاحية"

لابورتا لم يرَ تضارب مصالح أو معضلة أخلاقية في دفع 7 ملايين يورو لنائب رئيس لجنة الحكام، أياً يكن السبب.

وإذا كان العذر مبهماً، كما هو الحال بشأن نيغريرا، نكون أمام مسألة تطرح أسئلة ملحّة، يعجز لابورتا عن الإجابة عليها، ولو تحدث عن أمر "عادي في قطاع الرياضة الاحترافية".

رئيس برشلونة أحضر خلال مؤتمره الصحافي ما قال إنها 629 وثيقة و43 قرص فيديو مدمجاً، موحياً بأنها تقارير أعدّها نيغريرا الأب، لكنها تعود واقعاً إلى نجله خافيير، الذي دفع له 750 ألف يورو خلال حقبته الأولى رئيساً، حين كان نجل نيغريرا "مساعداً" في الاتحاد الإسباني لكرة القدم.

لابورتا حرص على إخفاء أي دليل يعود إلى حقبته الأولى رئيساً لبرشلونة، بين عامَي 2003 و2010، وتحدث عن وثائق بين عامَي 2014 و2018، مبرراً الأمر بأن تلك الوثائق "تنتهي صلاحيتها وتُتلف" بعد 5 سنوات. ولكن ألم تمرّ 9 سنوات بين 2014 و2023؟

رئيس النادي لم يفسّر لماذا لم يطّلع مدربو برشلونة ولاعبوه على تلك التقارير "المهمة"، كما كان لافتاً أنه وصف نجل نيغريرا بأنه "أبرز مزوّد للخدمات" إلى النادي.

وإذا كان الأمر كذلك، لماذا ذهبت حصة الأسد من المدفوعات إلى نيغريرا الأب، في مقابل "استشارات فنية" مجهولة، علماً أن تحقيق وزارة الخزانة يستثني نيغريرا الابن، إذ أن ثمة أدلة على إعداده تقارير للنادي.

"جائزة ترضية" لنيغريرا

نيغريرا الأب لم يقدّم أيّ تقارير خطية أو مصوّرة، واقتصرت علاقته على رؤساء النادي، وأبلغ وزارة الخزانة أن برشلونة "أراد ضمان عدم اتخاذ قرارات مناهضة لبرشلونة، وأن يكون كل شيء حيادياً في لجنة الحكام".

رغم ذلك، أصرّ لابورتا على أن ما قاله نيغريرا كان مجرد "افتراض". لكنه لم يُفسّر لماذا دفع النادي 7 ملايين يورو في مقابل "استشارات فنية" شفهية. كما أن أحداً لم يسأله عن "مصادفة" إنهاء تلك المدفوعات، مع خروج نيغريرا من "اللجنة الفنية للحكام" عام 2018.

وبعد تهديدات نيغريرا لبرشلونة إثر التخلّي عن خدماته، نال "جائزة ترضية"، إذ تعاقد معه الاتحاد الكاتالوني لكرة القدم، وبات "خبيراً تحكيمياً" في صحيفة "موندو ديبورتيفو" الصادرة في كاتالونيا.

كذلك لم يشرح رئيس برشلونة لماذا أدرج المدفوعات لنيغريرا، ضمن مصاريف "علاقات عامة".

تسجيل مباريات للمنتخب الإسباني

لابورتا برّر مضاعفته المبلغ المخصّص للحكم السابق عام 2009، من 245 ألف يورو إلى 494 ألفاً، بأدائه "عملاً إضافياً" وزيادة عدد المسابقات الرياضية. ولكن يتبيّن أن نيغريرا كُلّف آنذاك بتسجيل مباريات للمنتخب الإسباني في دورة كأس القارات بجنوب إفريقيا عام 2009، إضافة إلى مباريات للمنتخب الإسباني تحت 21 عاماً.

المفارقة أن تلك المباريات بثها التلفزيون الإسباني للجميع، وأمكن لموظف في برشلونة أن يسجلها بمجرد كبسة زرّ.

طبعاً لن يقول لابورتا إن زيادته المدفوعات مرتبطة بعودة فلورنتينو بيريز إلى رئاسة ريال مدريد عام 2009، وإنفاقه بقوة لتشكيل فريق قادر على مقارعة برشلونة بقيادة بيب غوارديولا وليونيل ميسي.

لابورتا كان سرّب لوسائل إعلام أن قسم التدقيق في النادي لم يرصد المدفوعات لنيغريرا، بعدما برّرها النادي، إثر كشف الأمر، بتقارير "تقنية" ومصوّرة، مدرجاً ذلك في إطار "ممارسة عادية لدى أندية كرة القدم الاحترافية". ولكن تبيّن لاحقاً أن شركة KPMG لتدقيق الحسابات نبّهت إلى الأمر، في أكتوبر 2010، بحسب "إلموندو".

"المال يسلبك استقلاليتك"

الأمر لا يتعلّق برشوة صريحة للحكام، إذ أنهم لا يتلقون تعليمات واضحة بالتحيّز لهذا النادي أو ذاك، بل باستخدام نيغريرا للتأثير فيهم، علماً أنهم يدركون تماماً اتجاه الريح في إسبانيا، ويعملون على أساسه.

الحكم السابق إدواردو إيتورّالدي غونزاليس، وهو من ألدّ أعداء ريال مدريد، شرح ذلك جيداً، بقوله: "إذا كنت تستطيع كسب كثير من المال، فهذا أفضل. لكن المال يسلبك استقلاليتك. لماذا؟ خلال حقبتي... يبلغك (المسؤولون) أن (عليك إشهار بطاقة) صفراء أو (احتساب) خطأ، ويمكنك مناقشة ذلك... ولكن الآن (مع تلقي الحكم) 300 ألف يورو (راتباً سنوياً)، يتم إسقاط اثنين منهم سنوياً (إلى الدرجة الثانية، حيث لا يزيد الراتب عن 100 ألف يورو). وإذا أبلغك (المسؤولون) أن هذه (بطاقة) صفراء أو أن هذا خطأ، ولو كان (يستحق إشهار بطاقة) حمراء، فأنت لن تدخل في هذا النقاش، لأن لديك وضعاً (مادياً) وتريد الحفاظ عليه".

وأضاف: "عندما تحصل على راتب مرتفع، لا تريد أن تخسر ذلك. وهنا لا يمكنك أن تفعل ما يفعله لاعبو كرة القدم، الذين يذهبون إلى نادٍ آخر. هنا لا يمكنك الذهاب إلى دوري آخر. إما أن تمارس التحكيم أو تذهب إلى المنزل".

"ترقيات لا تُصدّق لحكامٍ"

يفيد ذلك بأن الأمر يرتبط بنظام تحكيمي متكامل، أدى فيه نيغريرا دوراً أساسياً، بصفته نائب لجنة الحكام، وأبرز مساعدي رئيسه السابق فيكتوريانو سانشيز أرمينيو، علماً أن ثمة محاولات لتسخيف دوره، كما لو كان مجرد حاجب في "اللجنة الفنية للحكام".

لكن شهادات لحكام سابقين، وتصريحات ومقابلات، أكدت أن دوره كان جوهرياً في اللجنة. وكان سانشيز أرمينيو ونيغريرا يمارسان تأثيراً مباشراً على العلامات الممنوحة لكل حكم في نهاية كل موسم، أحياناً بشكل يتعارض مع تلك المُعطاة من المراقبين المكلّفين بهذه المهمة. وقد يؤدي ذلك إلى تغيير جذري في علامات حكمٍ، وربما إسقاطه إلى الدرجة الثانية.

شكا حكام كثيرون ممّا واجهوه خلال أدائهم عملهم، بينهم خوسيه لويس باراداس روميرو، الذي اعتزل التحكيم في عام 2013، بعدما انتقده الرئيس السابق للجنة الحكام، مانويل دياز فيغا، لامتناعه عن طرد البرتغالي جوزيه مورينيو، المدرب السابق لريال مدريد، خلال مباراة ضد رايو فاليكانو. وكان باراداس روميرو طرد مورينيو مرتين سابقاً، ضد مورسيا وفياريال.

وقال باراداس روميرو: "ترقيات بعض الحكام وإسقاطهم (إلى الدرجة الثانية) بدت أحياناً لا تُصدّق بالنسبة إلينا. لم تتوافق مع التقارير. إنريكيز نيغريرا كان يُبلغنا بترقيات (الحكام) أو إسقاطهم. هو أبلغني بترقيتي" إلى الدرجة الأولى.

وتابع: "لم نفهم الهدف من التقارير. كانت غامضة جداً. كنا نتساءل... كيف يمكن ألا يتم إسقاط هذا الحكم، بعدما ارتكب خطأين واضحين جداً خلال الموسم؟".

"برشلونة والتأثير في الحكام"

الحكم السابق الآخر ألفونسو بينو زامورانو اعتبر أن "برشلونة استهدف التأثير في الحكام، من خلال نيغريرا"، مستدركاً أن كل الأندية تقريباً "تعتقد بأن الحكام فاسدون وسيئون... لكن برشلونة ضُبط متلبساً".

يُعتبر الإسبانيان خيسوس خيل مانزانو وأنطونيو ماتيو لاهوز من حكام "النخبة" بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، وأدار الأول ذهاب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا بين مانشستر سيتي وبايرن ميونيخ. لكن "اللجنة الفنية للحكام" لم تختر أياً منهما لقيادة أيّ من المباريات الخمس التي جمعت ريال مدريد ببرشلونة هذا الموسم.

يجهل المرء كيف ستنتهي مسألة برشلونة ونيغريرا، لكن النادي الكاتالوني بعد ذلك لن يكون كما قبله.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات