
من القواعد غير المكتوبة في بطولة كأس الأمم الإفريقية أن يجلس المدرب والقائد جنباً إلى جنب عشية المباراة الافتتاحية لأي فريق، وبعد إلقاء كلمة افتتاحية، يجيبان على أسئلة وسائل الإعلام.
لكن في السنوات القليلة الماضية، اتبعت مصر نهجاً مختلفاً في هذه البطولة. ففي نسخة 2024، رافق المدرب البرتغالي روي فيتوريا، محمد الشناوي، أكبر لاعبي الفريق سنًا.
وإلى حد ما، كان هذا متوافقاً مع التقاليد، ففي منتخب مصر، كان ينال أي لاعب شارة القيادة بناء على عدد مشاركاته الدولية، وليس على موهبته أو حتى نفوذه.
وأصبح محمد صلاح قائداً لمنتخب مصر عام 2021، وهو المنصب الذي شغله لأول مرة قبل عامين، وكان ذلك بمثابة تحول عن الماضي، إذ كان أحمد فتحي، الظهير الأيمن البالغ من العمر 35 عاماً آنذاك والذي لعب مع شيفيلد يونايتد عام 2007، هو القائد المنتظر لقيادة المنتخب.
كان أحمد حجازي، مدافع وست بروميتش ألبيون السابق، متقدماً عليه في الترتيب، لكن تم اختيار صلاح لأنه أصبح أشهر لاعب كرة قدم في تاريخ البلاد.
وقال تقرير بموقع The Athletic إن صلاح حصل سريعاً على صلاحيات اتخاذ قراراته الخاصة بشأن بعض المسؤوليات، ما يعني أنه لم يظهر أمام الصحافة في أبيدجان إلا في المباراة الأخيرة من دور المجموعات، حيث كان المنتخب المصري بحاجة إلى نتيجة إيجابية للتأهل.
إلا أن صلاح لم يشارك بسبب الإصابة، ما جعل الأجواء في غرفة الملابس غير معتادة. كان قد تقرر حينها عودته إلى إنجلترا لاستئناف تعافيه، لكن الأمر لم يتضح إلا بعد ساعات قليلة عندما كشف يورغن كلوب عن تفاصيل ما يجري عقب فوز ليفربول على بورنموث.
حسام حسن ومحمد صلاح وتعامل بدبلوماسية أكبر
بالنسبة لصلاح، أصبح الوضع معقداً لأنه بدا وكأن ليفربول هو من يتحكم بالأمور. وكان من أشد منتقديه مدربه الحالي في المنتخب المصري، حسام حسن، الذي كان حينها محللاW تلفزيونياً، والذي اقترح ألا يعود صلاح إلى كوت ديفوار حتى لو استعاد لياقته البدنية بشكل مفاجئ قبل نهاية البطولة. وقال: "لدينا هنا رجال قادرون على القيام بالمهمة".
والآن، مع تولي حسام حسن مسؤولية العمل مع صلاح، فإنه يتبع نهجاً أكثر دبلوماسية. لم يكن الرجل الجالس بجانبه في أكادير قبل مباراة مصر الافتتاحية في كأس الأمم 2025 ضد زيمبابوي هو صلاح، بل محمود تريزيغيه، لاعب أستون فيلا السابق.
ومع مصر، يحصل صلاح في الغالب على ما يريد، ويتحدث متى شاء، والعالم يدور حوله، والجميع يتقبل ذلك. ربما يفسر ذلك سبب اعتقاده بأنه يستطيع أحياناً أن ينفس عن غضبه في ليفربول، ويفسر أيضاً سبب إعلان حسام حسن يوم الأحد أن "صلاح سيكون من بين أفضل اللاعبين في كأس الأمم الإفريقية وسيظل أيقونة ومن أفضل اللاعبين في العالم".
وكان المنتخب المصري يسعى جاهداً لتجاوز زيمبابوي، التي احتلت المركز الأخير في مجموعتها المؤهلة لكأس العالم، بعد تأهلها لكأس الأمم ، بفارق كبير. ورغم خسارتها مرتين أمام ليسوتو، إلا أنها حصدت نقاطاً أكبر من نيجيريا وجنوب أفريقيا، ما شكل إنذاراً مبطناً لمصر بأن المهمة قد لا تكون سهلة.
محمد صلاح يعود للتشكيلة الأساسية بعد غياب
وشارك صلاح أساسياً للمرة الأولى منذ الهزيمة المذلة التي مُني بها ليفربول على أرضه أمام آيندهوفن بنتيجة 4-1 في نهاية نوفمبر. ومنذ ذلك الحين، تم تهميشه مؤقتاً من قبل ناديه بعد أن قال إنه "تم التخلي عنه" لعدم مشاركته أساسياً في ثلاث مباريات بعد تلك الهزيمة، في تعليق زعم فيه أيضاً أنه لم يعد على علاقة جيدة بالمدرب آرني سلوت.
جاء أداء صلاح ومصر مشابهاً لمباراتهم الافتتاحية في هذه البطولة قبل عامين تقريباً. أرسل صلاح كرتين عرضيتين داخل منطقة الجزاء في أول عشر دقائق، كان من المفترض أن يسجل منهما زملاؤه، وقدم المنتخب المصري أداء كروياً قوياً، لكن سرعان ما تلقى هدفاً صادماً من زيمبابوي.
على عكس ما كان عليه الحال قبل عامين، لم يعد صلاح محور اللعب. لو كان يتمتع بالفطنة، لأدرك أن اللاعبين قد يكونون أكثر فعالية بلمسات أقل حتى لو كانوا نجوم الفريق. ومما يُسهّل الأمر وجود لاعبين ذوي جودة أعلى من حوله الآن، ويمكن الاعتماد على عمر مرموش، لاعب مانشستر سيتي، في التعامل مع الكرة وصناعة الفرص. وعندما جاء هدف التعادل لمصر، كان مرموش هو صاحب الهدف.
وبدأت الأمور تبدو وكأنها لن تكون بداية مثالية لمصر، التي ستواجه جنوب أفريقيا الفائزة على أنغولا في الجولة الافتتاحية - في مباراتها التالية. لم تفرض مصر سيطرتها التامة على مجريات اللعب بعد التعادل 1-1، لكن الصبر أتى ثماره عندما وصلت الكرة إلى صلاح في الوقت بدل الضائع. ومن هناك، ذكًر الجميع بموهبته.
محمد صلاح على طريقة ليونيل ميسي؟
بحسب حسام حسن، فإن الفوز بكأس الأمم هدفًا "لا غنى" لصلاح الذيب سيبلغ من العمر 34 عاماً الصيف المقبل، وهو نفس عمر ليونيل ميسي الذي فاز بأول بطولة دولية له مع الأرجنتين، كوبا أمريكا. ولم يُقلّل عدم تحقيقه النجاح على الساحة الدولية في تلك المرحلة من مسيرته من عظمته، لكن ميسي كان يعلم أن غياب هذا التتويج سيؤثر على صورته في الذاكرة.
بعد عام، فاز ميسي بكأس العالم، وهو إنجاز من غير المرجح أن يُحققه صلاح، مما يضع مزيدًا من الضغط على أدائه خلال الأسابيع القادمة، خاصةً بعد أن أصبحت البطولة تُقام كل أربع سنوات بدلًا من سنتين بدءاً من 2028، وذلك عقب تصريحات رئيس الاتحاد الإفريقي، باتريس موتسيبي، في نهاية الأسبوع. مع الشكوك التي تُحيط بقدرة تنزانيا وكينيا وأوغندا على استضافة نسخة 2027 بسبب الانتخابات المقبلة في دولتين منها. وربما لن تتاح لصلاح سوى فرصة واحدة لتحقيق ما تتوقعه مصر منه بعد المغرب.
ويُقاس أداء صلاح في مصر بإنجازات جيل اللاعبين الذين سبقوه مباشرة، الفريق الذي فاز بثلاثة ألقاب متتالية في كأس الأمم بين عامي 2006 و2010، لكنه لم يتأهل قط لكأس العالم، وهو ما حققه صلاح مرتين. كان أغل لاعبي هذه التشكيلة تنهي مسيرتها، بينما كان صلاح يبدأ مشواره في فترة اضطرابات غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث.
لا ويزال الغرب ينظر إلى مصر من خلال عظمة الأهرامات وسحر النيل. لكن بعد ظهوره الأول كلاعب محترف مع المقاولون العرب، وقعت أحداث كان لها تداعيات هائلة على البلاد من جوانب عديدة، وخاصة سيما على تطور كرة القدم.
في عام 2011، اندلعت ثورة أطاحت بنظام دام 30 عامًا، وبالغ في الترويج لكرة القدم للتغطية على إخفاقاته، مما أدى في النهاية إلى تشكيك الجمهور في جدوى هذه الرياضة. وبعد مرور أكثر من عام بقليل، وقعت كارثة في ملعب بورسعيد أودت بحياة 74 مشجعاً، ما أدى إلى منع حضور المشجعين لأجل غير مسمى.
في ظل هذه الظروف، ربما كان من المفهوم فشل مصر في التأهل لكأس الأمم ثلاث مرات متتالية.
صلاح يملك شعبية عالمية ومحلية في الوقت ذاته
منذ سنوات، يتعامل محمد صلاح بحذر واحترافية خارج الملعب، محافظاً على صورته ونفوذه الكبير دون الدخول في أي أزمات تذكر مع السلطات في مصر.
وتدرك مصر أن صلاح يتمتع بمكانة استثنائية تتجاوز حدود المنطقة، كونه أول لاعب مصري يجمع بين النجومية العالمية والتأثير المحلي بهذا الشكل، ما يجعل الحفاظ على علاقة متوازنة معه أمراً مهماً. هذا الثقل الفريد يضعه في موقع لا توجد له مقارنة حقيقية، سواء داخل مصر أو خارجها.
ويُعتبر كيني دالغليش وستيفن جيرارد بصفة عامة من أعظم لاعبي ليفربول. كلاهما يمثلان شيئا ما لليفربول كمؤسسة ومدينة، لكنهما لم يُمثلا صورة دولة قط على عكس صلاح، فهما لا يمثلان منطقة تمتد عبر قارتين. ولا يمثلان ديناً.
حتى ميسي وكريستيانو رونالدو لا يُمكنهما ادعاء ذلك. إذا كان صلاح يشعر بأنه مختلف، وهذا ما يجعل من الصعب التواصل معه، فذلك لأنه لم يكن هناك من يُشبهه.
* هذه المادة مترجمة من طرف SRMG.












