أراد لوكا مودريتش مقعده "المفضّل" على دكة البدلاء. ونظر اللاعب المخضرم إلى مجموعة اللاعبين الاحتياطيين لريال مدريد قبل أن يشير بيده "تنحى جانباً" مرة تلو الأخرى. ولما لم تفلح هذه الإشارات، وقف مباشرة أمام داني سيبايوس، وأشار بحزم إلى مقعده بإصبع الإبهام.
ربما يمكننا أن نغفر لمودريتش بعض غروره في هذه المرحلة من مسيرته. بالنسبة للفتى الحائز على 5 بطولات في دوري أبطال أوروبا، والكرة الذهبية عام 2018، فإن مشاهدة مباراة فاصلة ضد مانشستر سيتي من مقاعد البدلاء ربما تولد شعوراً بالدونية. ومن ثم يصبح "الشجار" على مكانه ضمن مقاعد البدلاء نوعا من "التعويض" الذي يمكن أن يرسل رجلا أقل صراخا إلى بيرس مورغان.
رغم ذلك، لم يكن هناك أي شعور بالمرارة في حديث مودريتش مع سيبايوس، الذي اكتفى بالضحك على زميله "العجوز" وانزلق في مقعده. وربت مودريتش على كتفه، وجلس مثل الجدِّ الطاعن في السن على مقعده الهزاز، مبتسما بارتياح شخص في المكان الذي ينتمي إليه.
ريال مدريد الجديد.. لا مكان للغالاكتيكوس
هذه هي معجزة ريال مدريد الجديد، فبدلا من غالاكتيكوس، قاموا ببناء فريق من النجوم المتفانين المتحمسين للعمل كلاعبين لهم أدوار متكاملة، ما جعل حتى صراعاتهم "الوهمية" تتحول إلى "نكات" بين الأصدقاء. ، حسب موقع "ذي أتلتيك" الأميركي.
والآن، قد تكون روح الفريق أولا هي ما جعلهم "أكثر مرونة" من منافسيهم، وأكثر إمتاعاً.
ليس فقط الحرس القديم هم من اقتنعوا بفكرة أن هناك شيئا أكبر منهم. فإدواردو كامافينغا، اللاعب الدولي الفرنسي البالغ من العمر 21 عاماً، والذي يمكنه المراوغة عبر أي خط وسط في العالم، غالبا ما يخرج من مقاعد البدلاء، أو حتى يلعب كظهير أيسر في ريال مدريد.
وعندما سئل عن ذلك، قال كارلو أنشيلوتي، المدير الفني لريال مدريد، إنه "لا يحب اللعب كظهير أيسر، ولكننا نحب ذلك".
وعندما يبدأ كامافينغا في خط الوسط، فهذا يعني عادة أن شريكه الفرنسي أوريليان تشواميني سيلعب في مركز قلب الدفاع. فعندما خسر ريال مدريد إيدر ميليتاو وديفيد ألابا هذا الموسم بسبب إصابات طويلة الأمد، كان من الممكن أن ينسف الفريق، ولكن تشواميني تراجع بشجاعة من وسط الملعب للمساعدة في هذا المركز الذي لم يسبق له اللعب فيه. وفي 10 مباريات كمدافع، لم يخسر مرة واحدة.
ريال مدريد فريق مبني من النجوم المتفانين
ثم هناك النجم البرازيلي رودريغو، الذي كان يسد الثغرات في مركزي الجناح الأيمن وقلب الهجوم لفترة طويلة إلى درجة أنه شعر أنه "غريب" في مباريات دوري أبطال أوروبا الأخيرة عندما وجد نفسه في الجانب الأيسر "المفضل لديه"، وهو المكان الذي نشأ فيه حتى أزاحه عنه فينيسيوس جونيور.
وعلى غرار كامافينغا وتشواميني، كان رودريغو صادقاً إلى درجة أنه لم يحب اللعب في غير مكانه ولكنه كانت عنده الرغبة في إنجاز ما يحتاج إليه الفريق، حتى أنه وصف اللعب في غير مركزه بأنه "ضغط إيجابي، لأنه يجعلك تعرف أن الآخرين يثقون بك".
ربما تكون مثل هذه القصص "عادية" بالنسبة لعاملين يحاولون الاحتفاظ بوظيفة ما أو يأملون في الحصول على راحة كبيرة. ولكن هؤلاء اللاعبين المدريديين الثلاثة يأتون ضمن اللاعبين الـ20 الأكثر قيمة في العالم، وفقا لتقديرات موقع "Transfermarket". ومن ثم فإن أي ناد آخر سيعد نفسه محظوظا لبناء فريق من لاعبين من هذه النوعية بدلا من التعامل معهم كلاعبين احتياطيين أو رجال خدمات.
ريال مدريد الجديد يختلف عن الأندية الأخرى
إن الفرق بين ريال مدريد والفرق الأخرى لا يكمن فقط في مجرد "الثروة الهائلة من المواهب" التي يحاولون تكديسها في أرض الملعب، رغم أن هذا حتما أحد الفوارق. لقد طور ريال مدريد، أكثر من أي فريق آخر من الفرق الكبرى، نظاما تكتيكيا فضفاضا تبرز خلاله الأدوار في المراكز من شخصيات اللاعبين، وليس من أنهم مكلفين بهذه المراكز، ما يسميه جود بيلينجهام "السماح للأولاد باللعب بحرية".
ما يعنيه ذلك من الناحية العملية هو أن بعض اللاعبين الرئيسيين يترجمون مراكزهم بالطريقة التي تناسبهم فيما يتكيف آخرون مع هذه المراكز.
على سبيل المثال، يحب توني كروس الاستحواذ على الكرة من خلال الهروب إلى الجهة اليسرى الخلفية من الملعب، حيث يستطيع الحصول على الكرة في مواجهة اللعب، فيما يقبع فينيسيوس جونيور في الأمام وبعيدا من الناحية اليسرى لمرواغة المدافعين، رغم أنه يعمل مؤخرا على إضافة المزيد من انطلاقات رأس الحربة إلى لعبه.
ووصل بيلينغهام إلى ريال مدريد كلاعب في خط الوسط، ولكن موهبته في الوصول إلى منطقة الجزاء سرعان ما أصبحت ملمحا مميزا في أسلوب الفريق.
وتعيد هذه التوجهات تشكيل أدوار اللاعبين. فبدلا من الانطلاق إلى الأمام واللعب بطول الخط الجانبي، قد يدخل الظهير اليسر المدريدي إلى قلب الملعب ليشغل مساحة الوسط عندما يفتح كروس وفينيسيوس الملعب.
ربما يناسب هذا لاعب وسط مثل كامافينغا أكثر من ظهير تقليدي كفيرلاند ميندي. فعندما يقوم بيلينغهام بالركض سريعا في منطقة الوسط، فإن ذلك يحرر مهاجم مدريد للتحرك في مساحات أخرى، ولذلك قد يبدأ رودريجو كرأس حربة، ولكن ينتهي به المطاف باللعب تحت فينيسيوس كصانع ألعاب في يسار الملعب، قريبا من مركزه الطبيعي.
وغالبا ما يستعين فيديريكو فالفيردي بمعدلات جهده الدؤوب على الجانب الأيمن من وسط الملعب ليكون جناح أيمن بحكم الأمر الواقع، عندما لا يكون في تشكيلة الفريق لاعب في هذا المركز.
في ريال مدريد.. بات الفريق هو "النجم"
وبغض النظر عن مراكزهم الأساسية، ينتهي المطاف بلاعبي ريال مدريد بأداء أدوار تتناسب في الغالب مع مواهبهم، حتى أن تشواميني يكون مقنعا في مركز قلب الدفاع، بفضل تمريراته المنمقة وموهبته في المساحة الدفاعية، فيما يمتلك كامافينجا أسلوبا مختلفا تماما للاعب الوسط المدافع الذي يعمل في الناحية الهجومية من الملعب حيث يُتاح له بدرجة أكبر اللعب بمزيد من القوة سواء كانت الكرة في حوزة فريقه أو الفريق الآخر.
من الأسهل تماما قبول الحياة كلاعب له دور عندما تثق في أنك ستحصل على الدور الذي يناسب طريقتك في اللعب. ويمتلك فريق ريال مدريد الكثير من اللاعبين ذوي الأدوار الحقيقية، والأقل شهرة مثل لوكاس فازكيز وناتشو، اللذين يمكن دائما الاعتماد عليهما في التغييرات، ولكن تأثير روح "الفريق أولا" تضعهم دائما على قدم المساواة مع النجوم، ما يقلل أو يقضي تماما على أي شعور بالغيرة أو الكبرياء الجريح الذي يؤدي إلى موت الكثير من المواهب.
وبالنسبة لناد يحمل الملكية في اسمه، فإن ريال مدريد يقترب على نحو مثير للإعجاب من ديمقراطية كرة القدم. فالحرية هي خطة اللعب، والسعي وراء السعادة هو المحاولة التي لا تنتهي على الإطلاق.
ومن ثم، فإنه حتى مودريتش العجوز، يمكنه الاسترخاء على مقاعد البدلاء وهو على يقين من أنه سيتم استدعاء رقمه في وقت الحاجة إليه.
وفي مباراة ربع النهائي أمام مانشستر سيتي، غادر مودريتش مقعده قبيل الوقت الإضافي وقدم 41 دقيقة من العمل الدفاعي ليأخذ بالمباراة إلى ركلات الترجيح.
وعندما أضاع مودريتش ركلة الترجيح الأولى، كانت الحالة المزاجية للفريق لا تزال في مستوى من الارتياحية لأن فاسكيز وناتشو، لاعبي الأدوار البارعين، أحرزا ركلتيهما.
ونجح حارس المرمى أندريه لونين، الذي كان في بعض الأوقات خلال هذا الموسم الحارس الثالث في مصفوفة حراس ريال مدريد، في تحقيق تصديين عظيمين. ولم تأت التسديدة الثالثة التي قادت ريال مدريد إلى نصف نهائي دوري الأبطال من رأس حربة فائق، فمدريد لا يمتلك هذا المهاجم، وإنما من أنطونيو روديغر، لاعب قلب الدفاع.. ولهذا فإن "الفريق" في ريال مدريد هو "النجم".