ماذا تخبرنا هاتان الصورتان عن شخصية بيلينغهام في كرة القدم؟

كان من المستحيل أن تعرف ما قاله جود بيلينغهام، لاعب ريال مدريد، عندما اقترب من هاري كين مهاجم بايرن ميونيخ، الذي كان يستعد لتسديد ركلة الجزاء في مباراة ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا الثلاثاء. 

ومهما كانت الكلمات، يبقى من غير المرجح أن يكون بيلينغهام قد أعرب لزميله الدولي عن تمنياته له بالتوفيق في هذه اللحظة، وكان على الحكم كليمنت توربان أن يتدخل ليخبر لاعب خط الوسط المدريدي بضرورة تنحيه. 

لا يعني ذلك أن كين كان قلقاً على نحو غير مبرر. وقال قائد منتخب إنجلترا لقناة "TNT Sport" إنه "لكي أكون صادقاً معكم لا أعرف ما قاله"، مضيفاً: "كنت أعيش اللحظة بكامل تفاصيلها، وكنت على يقين من أنه يحاول أن يقول شيئاً ما يثيرني".  

رغم ذلك، من غير المرجح أن يكون هناك ضغينة دائمة بين لاعبين قاما بتحية أحدهما الآخر بحرارة قبل بداية المباراة.

شخصية بيلينغهام

ومع ذلك، فإن التناقض بين صورة بيلينغهام وهو يهمس في أذن كين في محاولة لتحصيل فائدة لفريقه، وصورته وهو يحيط اللاعب نفسه بذراعه بعد لحظات من تضييعه ركلة جزاء حاسمة في مباراة منتخب بلاده ضد فرنسا في ربع نهائي كأس العالم 2022، التي انتهت بهزيمة منتخب إنجلترا، لا يمكن أن يكون أكبر مما هو عليه بين الصورتين.

كما تخبرنا الصورتان عن ملمحين مهمين في شخصية بيلينغهام، كلاهما يتضح بجلاء في موسم ظهوره الأول في إسبانيا، إذ لم تكن هناك أي شكوك حول قوة هذه الشخصية، ويشهد ولعه بالأهداف المتأخرة، بما فيها في مباراة الكلاسيكو في الدوري الإسباني ضد برشلونة، على هذا الملمح. 

وبينما يستمتع بلفت انتباه مشجعي ناديه الجديد، فقد تلقى بيلينغهام أيضاً الإشادة لمشاركته الأضواء مع زملائه، على سبيل المثال، إشارته للمشجعين للتصفيق لفيديريكو فالفيردي لمساعدته في التسجيل ضد أوساسونا في أكتوبر. 

كما منح بيلينغهام تمريرة حاسمة غير أنانية على الإطلاق للمهاجم خوسيلو في الشهر التالي، ووضح لاحقاً أنه أراد أن يساعد زميله في الفريق الذي كان يمر بفترة صعبة أمام المرمى. 

بدا ذلك ذكاء عاطفياً استثنائياً ونضجاً شخصياً من بيلينغهام، وساعد في جعله محبوباً بين لاعبي مدريد ومشجعيه على السواء. 

كانت لفتة بيلينغهام تجاه كين في مباراة ربع نهائي كأس العالم مهمة أيضاً.

فجود بيلينجهام، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 19 عاماً فقط، كان اللاعب الوحيد في الفريق الإنجليزي الذي ذهب لمواساة قائد الفريق بعد فشله في معادلة النتيجة في الدقيقة 84 في المبارة التي انتهت بهزيمة منتخب إنجلترا 2-1، وكشفت عن نضج يتجاوز حدود عمره الزمني.

الجانب الآخر

ومع ذلك، فإن الجانب الآخر من كل ذلك، هو أن بيلينغهام يستطيع أيضاً أن يقترب من الحدود المسموح بها، أو حتى يتجاوزها، عندما تكون الأمور على غير ما يرام، سواء بالنسبة إليه على المستوى الشخصي أو بالنسبة إلى فريقه. 

ظهر ذلك بالفعل في الفترة التي قضاها بيلينغهام في ناديه السابق بوروسيا دورتموند، عندما شعر بيلينغهام أن بعض زملائه في الفريق غير قادرين على الوصول إلى مستواهم المرتفع خاصة عندما أهدروا فرصة كبيرة للفوز باللقب الألماني في مايو من العام الماضي. 

كما نفد صبر بيلينغهام تجاه الحكام الإسبان سريعاً، حيث شعر بأنه لا يتمتع بالحماية الكافية حيث استخدم المدافعون كل الطرق الممكنة للحد من تأثيره. 

وحصل بيلينغهام على 4 بطاقات صفراء في 6 مباريات خلال شهري يناير وفبراير، معظمها بسبب الاعتراض أو الأخطاء "الانتقامية"، ما جعله يواجه عقوبة بسبب تراكم الإنذارات. 

ثم جاءت أكثر مواجهاته حدة مع المسؤولين عندما حصل على بطاقة حمراء لاحتجاجه الغاضب بعد ما أطلق الحكم خيسيوس جيل مانزانو صافرة نهاية المباراة، في الوقت الذي اعتقد فيه أنه أحرز هدف فوز آخر في اللحظات الأخيرة في مباراة فريقه ضد فالنسيا في الدوري الأسباني في أوائل مارس. 

كان بيلينغهام لا يزال غاضباً عندما غادر أرضية الملعب في تلك الليلة، وأعاد نشر رسالة على حسابه على منصة "إنستغرام" قال فيها: "الحكم انتظر حرفياً براهيم دياز ليمرر كرته العرضية، هذه فضيحة". ولكنه سرعان ما قام بحذف تلك الرسالة من حسابه، ولكنه لا يزال مستبعداً لثلاث مباريات. 

وكانت هناك حادثة أخرى عندما لعب ريال مدريد مع جاره خيتافي في أوائل فبراير، واصطدم بيلينغهام بزميله الإنجليزي ميسون غرينوود، خلال مباراة متوترة أمام فريق يتمتع بالقوة البدنية. 

وزعم خيتافي أن بيلينغهام ارتكب "إشارة عدائية" تجاه غرينوود، الذي انضم إلى النادي الإسباني على سبيل الإعارة لمدة موسم من فريق مانشستر يونايتد في نهاية فترة الانتقالات الصيفية الماضية.

وشهد غرينوود تهما بمحاولة الاغتصاب والاعتداء والسيطرة القسرية، اسقطتها دائرة الادعاء الملكية في المملكة المتحدة في فبراير 2023، وأنكرها جميعاً.

وبعد استشارة خبير في لغة الشفاه، قال الاتحاد الإسباني لكرة القدم إنه لا يوجد دليل موثوق فيه على ما يُزعم أن بيلينغهام قاله لغرينوود. وتم رفض القضية. 

وحظي بيلينغهام بمساندة كاملة من قبل المدير الفني لريال مدريد كارلو أنشيلوتي وإدارة النادي بعد واقعتي غرينوود وميستايا، وكان الجميع في برنابيو حريصين على رعاية نجمهم الصاعد. 

مسيرة سريعة

وتمضي مسيرة بيلينغهام المهنية بسرعة كبيرة حتى الآن، من أصغر لاعب في الفريق الأول لبرمينغهام سيتي بعد عيد ميلاده الـ16، إلى الانتقال إلى ألمانيا كأغلى لاعب في سن 17 عاماً في التاريخ، واللعب لإنجلترا في بطولتين دوليتين بينما كان لا يزال في سن المراهقة، والآن في هذه البداية الرائعة مع ريال مدريد. 

يزيد هذا كله من التركيز والضغوط على بيلينغهام، برغم أنه أظهر في أغلب الأحيان قدرته على التعامل مع هذه الضغوط، وتركيز ما يشعر به في أدائه مع فريقه. 

ومع ذلك، برغم جميع مواهبه، لا يُعد بيلينغهام نجماً خارقاً، وهناك مؤشرات ظهرت مؤخراً على أنه يشعر بضغوط موسمه الأول المذهل في إسبانيا. 

وقال أنشيلوتي إن بيلينغهام "لم يكن بأفضل حالاته اليوم، ولكنه سيعود سريعا"، وأضاف أنه "تم سحبه لأنه كان يعاني من شد عضلي، ولكنه سيتعافى بنسبة 100% بحلول الأربعاء"، حيث مباراة الإياب في برنابيو الأسبوع المقبل.      

هل يمكن أن تسفر شخصية بيلينغهام عن قدرة أكبر على التحكم في السلوك؟، ربما. وربما لا تكون مشاركة البطل في عودة نصف نهائي دوري الأبطال الأوروبي الفكرة الأكثر حكمة. 

ولكن إذا كانت مسيرة بيلينغهام المهنية ملهمة في أي شيء، فهو أنه سيفعل الأشياء على طريقته.