عواطف وثقة بالنفس واتخاذ قرارات... أين الاختلاف في تدريب الرجال والنساء؟

time reading iconدقائق القراءة - 2
مدرب توتنهام هوتسبير روبرت فيلاهامن خلال مباراة ضد أرسنال في الدوري الإنجليزي للسيدات - 16 ديسمبر 2023 - Reuters
مدرب توتنهام هوتسبير روبرت فيلاهامن خلال مباراة ضد أرسنال في الدوري الإنجليزي للسيدات - 16 ديسمبر 2023 - Reuters
دبي-الشرق

كان روبرت فيلاهامن، مدرب فريق توتنهام هوتسبير للسيدات، صاخباً عندما كان يقود فرقاً للرجال في موطنه السويد.

وقال لموقع "ذا أتلتيك": "كنت أصرخ وأقدّم توجيهات صارمة. ستسمعني طيلة الدقائق التسعين، خصوصاً عندما لا نستحوذ على الكرة".

فيلاهامن طبّق الأسلوب ذاته عندما انتقل إلى فريق هاكن للسيدات في مدينة غوتنبرغ السويدية.

ولكن بعد خسارتهنّ لبعض المباريات، أبلغته لاعبات، لا سيّما اللواتي يلعبن قرب خط التماس، أن صراخه يسبب لهنّ "توتراً".

وأخذ فيلاهامن علماً بذلك، وقال: "كان ذلك ضرورياً. فكّرت، لماذا لا يفعلن ما أقوله لهنّ؟ إذا رفعت صوتي على زوجتي، فلن تستمع إلى ما أقوله. ربما هذا ما تشعر به اللاعبات".

أدرك فيلاهامن (41 عاماً) أنه رجل طويل القامة يصرخ على نساء بصوت جهور، وقد ينتج عن ذلك شعور بـ"التهديد". وأيقن أنه لم يكن ليستخرج أفضل النتائج من اللاعبات، من خلال هذا السلوك.

ومنذ ذلك الحين، اتبع هذا المدرب نهجاً أكثر هدوءاً وتركيزاً، وبات لا يتحدث كثيراً خلال المباريات.

وقال: "أحاول إيجاد طرق للتواصل معهنّ من دون صراخ. هذا تطوّر واضح اكتسبته خلال مسيرتي مع كرة القدم النسائية".

هذا مجرد اختلاف بسيط من الاختلافات التي لاحظها فيلاهامن، بين إدارة فرق الرجال والنساء.

لاعبات أكثر "فضولاً"

"ذا أتلتيك" أشار إلى أن معظم المدربين الذين عملوا في الجهتين، لم يدرّبوا سوى فرق الرجال تحت 21 عاماً، وليس فرق الدرجة الأولى.

ويعتقد بعضهم أن لا فرق في هذا الصدد، وبوجوب التركيز على كيفية إدارة الأفراد، بدل أن يكون جنس اللاعب محور الحديث. 

ومع ذلك، لاحظ مدربون تباينات واتجاهات تميل نحو جهة أو أخرى. ولا يتعلّق الأمر بكون إحدى الجهتين جيدة والأخرى سيئة، فأحياناً تكونان مختلفتين فحسب، والوعي بهذا الاختلاف يمكن أن يكون مفيداً.

أكبر وأكثر الفروق شيوعاً، هي أن لاعبي كرة القدم الرجال يريدون إبلاغهم "ماذا يفعلون"، بينما ترغب اللاعبات في معرفة "لماذا" ينفذن تمريناً معيّناً.

يصف المدربون لاعبات كرة القدم بأنهنّ أكثر ميلاً إلى أن يكنّ أكثر "فضولاً" و"استطلاعاً"، وأكثر ميلاً إلى طرح مزيد من الأسئلة.

إجراء حوار وتوضيح الأهداف

ويقول مدرب مانشستر سيتي للسيدات غاريث تايلور، إن إجراء حوار وتوضيح الأسباب والأهداف يمكن أن يساهم في إثارة اهتمام اللاعبات وتحفيزهنّ، وبالتالي الحصول على مشاركة كبيرة وداعمة منهنّ. لكن مدربين يرون أن لاعبات كرة القدم ينحون إلى التفكير بشكل مفرط.

مدرب مانشستر سيتي غاريث تايلور بعد مباراة ضد مانشستر يونايتد في الدوري الإنجليزي للسيدات – 23 مارس 2024
مدرب مانشستر سيتي غاريث تايلور بعد مباراة ضد مانشستر يونايتد في الدوري الإنجليزي للسيدات – 23 مارس 2024 - Reuters

أما ليديا بيدفورد، المدربة السابقة لفريق ليستر سيتي للسيدات والمساعدة السابقة للمدرب في فريق أرسنال للسيدات، وتدرّب الآن فريق برينتفورد تحت 18 عاماً للرجال، فتعتقد بأن فريقها الحالي أقلّ عرضة لتحدي "لماذا" ويطرح أسئلة أقلّ بشكل عام.

وتقول: "سيخرجون وينفذون الأمر ويكونون قادرين على أخذ ذلك في الاعتبار. إنهم يستوعبون التدريبات بشكل أسرع بهذا المعنى. يستمعون ويضعون ما تطلبه منهم في الملعب بشكل أكثر طبيعية".

المجازفة واتخاذ القرارات

ليف سميرود هو طبيب نفسي سريري ولاعب سابق، عمل خلال السنين العشر الماضية مرات عدة، مدرباً مؤقتاً لمنتخبَي النرويج للرجال والسيدات، وكذلك مدرباً لفريق الرجال تحت 21 عاماً.

ويخلص من خلال خبرته إلى أن سبب رغبة اللاعبات في معرفة "السبب"، هو رغبتهنّ في معرفة الأمر الصحيح الذي يجب فعله قبل الشروع في مهمة.

ويقول: "سيكون للمدربين الرجال الذين يدخلون إلى كرة القدم النسائية للمرة الأولى، منحنى تعلّم حاداً بشأن بعض هذه المسائل".

سميرود الذي درّب نجوماً ونجمات في النرويج، مثل إيرلينغ هالاند ومارتن أوديغارد وآدا هيغربرغ وغورو رايتن، اعتبر أن فهم المنطق وراء الأمور يُمكن أن يساهم في إيجاد نظام للعب. لكنه وجد أن اللاعبات يُقدمن بشكل أقلّ على المجازفة واتخاذ قراراتهنّ بأنفسهنّ، فيما يفعل اللاعبون الرجال ذلك بشكل أكثر طبيعية.

ويقول: "تلعب لاعبات كرة القدم وفقاً للخطة ولكن ليس وفقاً للموقف. إذا كانت لديك لاعبات يتراجعن وينتظرن الأمر الصحيح، فهذا بطيء جداً بالنسبة إلى الرياضات الكبرى".

المدرب المؤقت للنرويج ليف غونار سميرود خلال مباراة ضد النمسا في دوري الأمم الأوروبية - 18 نوفمبر 2020
المدرب المؤقت للنرويج ليف غونار سميرود خلال مباراة ضد النمسا في دوري الأمم الأوروبية - 18 نوفمبر 2020 - Reuters

"ما الخطأ الذي اقترفته؟"

فيلاهامن يحاول غرس بيئة في توتنهام، لا تتضمّن صواباً وخطأً ويتم فيها تشجيع المبادرة والحرية. ويقول: "يجب أن تكون شجاعاً بما يكفي لتجرؤ على الفعل".

واستشهد باللاعبة الدولية الإنجليزية غريس كلينتون (20 عاماً)، المعارة إلى توتنهام من مانشستر يونايتد، كمثال على ذلك.

وقال: "أريدها أن تشعر بأنها تستطيع اتخاذ خيارات وربما كان عليها اتخاذ خيار آخر، ولكن هذا ليس صواباً أو خطأً، إنه اتخاذ قرار".

ونتيجة لرغبتهنّ في فعل الأمر الصحيح، وجد سميرود أن النساء يلجأن إلى مدربهنّ بشكل أكبر للحصول على ملاحظات لتقييم أدائهنّ، بوصفه مَن يمتلك الإجابة الصحيحة في نظرهنّ.

ولاحظ أن لاعباته كنّ أكثر تردداً في إبداء آرائهنّ بسبب إحجامهنّ عن مخالفة المدرب، واتجهن بدل ذلك إلى فعل ما يعتقدن بأنه الأمر الصحيح.

ويقول سميرود: "إذا وضعت لاعباً من الرجال على مقاعد البدلاء أو خارج الفريق، سيعتقدون بأن المدرب هو الأحمق. ولكن يُرجّح أن تظنّ اللاعبات أنهنّ يفعلن أمراً خاطئاً".

وأشار إلى أنه وجد النساء أكثر تفكيراً في أنفسهنّ، ويسألن: "ما الخطأ الذي اقترفته؟".

وتابع سميرود: "هناك مساءلة أقلّ للرجال وأكثر للنساء، وقد يذهب الأمر إلى حد المبالغة".

"النساء أكثر انتقاداً لأنفسهنّ"

ولاحظت بيدفورد اتجاهات مشابهة. وقالت: "وجدتُ الرجال أكثر ثقة بقدراتهم الشخصية. إنهم حقاً يعتقدون بأن لديهم المهارات اللازمة لتحقيق النجاح. وعلى النقيض من ذلك، بعض النساء على أعلى مستوى، يكنّ أكثر انتقاداً لأنفسهنّ، ويجدن السلبيات قبل التفكير حتى في ما فعلنه بشكل جيد، ويأخذن الأمور بشكل أكثر شخصية".

وأضافت: "الرجال يعمدون أكثر إلى انتقاد الآخرين. عندما تطلب منهم التفكير في ما عليهم تحسينه، يجدون ذلك أصعب بكثير".

مدربة ليستر سيتي ليديا بيدفورد قبل مباراة ضد برايتون في الدوري الإنجليزي للسيدات – 16 يناير 2022
مدربة ليستر سيتي ليديا بيدفورد قبل مباراة ضد برايتون في الدوري الإنجليزي للسيدات – 16 يناير 2022 - Reuters

كان سميرود في تلك البيئة الشبابية الذكورية، حيث كانت أمور كثيرة على المحك.

ويقول: "يأتون بأعين مليئة بالحماس، بحلم أن يكونوا لاعبي كرة قدم في الدوري الإنجليزي الممتاز أو يلعبوا للمنتخب وهم متحمّسون جداً". ولفت إلى "مال ووكلاء وآباء وأمهات لديهم كلّ هذه الطموحات".

الاحتياجات الخاصة بالنساء

الحديث عن المال والوكلاء يثير قضية مهمة. وتمرّ كرة القدم للرجال والنساء بمراحل مختلفة من التطوّر، ومن الضروري فهم حياة لاعبات كرة القدم، بدءاً من البحوث بشأن صحتهنّ وصولاً إلى الترتيبات المتعلّقة بالأمومة ومروراً بعمليات انتقال اللاعبات والتأثير في الرهون العقارية.

وترى مدربة فريق تشيلسي للسيدات، إيما هايز، أن من الضروري وجود نساء في المناصب القيادية، لأنهنّ قد يتعاطفن مع اللاعبات "لمجرد كونهنّ نساءً".

وتقول: "الأهم من ذلك كلّه هو امتلاك المعرفة بشأن النساء. لا فائدة من وجود شخص واحد على دراية. يجب أن يكون ذلك أمراً ثقافياً".

وتحرص هايز على تثقيف جميع أفراد فريق العمل لديها، بشأن الاحتياجات البدنية الخاصة بالنساء، وتأثير الدورة الشهرية مثال على ذلك.

وتقول: "على مَن يعمل في فريق نسائي دائماً أن يطرح السؤال الأساسي التالي: النساء لسن رجالاً صغاراً، لذلك هل نقوم بما نفعله لأن ذلك كان يتم دوماً بهذه الطريقة أم نفعله لأنهم فعلوا ذلك في فرق الرجال؟ علينا باستمرار تحدي هذه الفكرة".

مدربة تشيلسي إيما هايز خلال مباراة ضد أياكس أمستردام في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا للسيدات - 19 مارس 2024
مدربة تشيلسي إيما هايز خلال مباراة ضد أياكس أمستردام في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا للسيدات - 19 مارس 2024 - Reuters

"عاطفة" النساء

إحدى أكبر الصور النمطية بشأن الاختلاف بين الجنسين، تكمن في أن النساء أكثر عاطفية من الرجال.

ويتفق فيلاهامن مع الرأي القائل بأن "الأمور أكثر وضوحاً في كرة القدم للرجال، ولا يوجد الكثير من العاطفة"، مضيفاً: "الديناميكية الجماعية مع فريق السيدات مختلفة، فهناك مزيد من المشاعر والعلاقات، هنّ في الواقع يقضين وقتاً معاً خارج الملعب. وبالنسبة إلى كرة القدم للرجال، لا يخوضون بعمق في علاقاتهم الاجتماعية".

خلال أول مباراة لها هذا الموسم كمدربة لفريق برينتفورد تحت 18 عاماً، سأل مسؤول بيدفورد عن المدرب، فأجابت: "أنت تنظر إليها".

وقالت: "يمكن للمرء أن يكون أكثر مباشرة مع الرجال"، وتعتقد بأن ذلك يعود إلى اعتيادهم على أسلوب إدارة أكثر جزماً.

وتضيف: "إنهم لا يأخذون الأمور بشكل شخصي. وفي ما بينهم، إذا قال أحدهم للآخر إن الأمر ليس جيداً بما فيه الكفاية، يمكن أن يهاجموا بعضهم بعضاً، ويتبادلوا لكمات، ثم ينسون الأمر. أما مع النساء، إذا كنت حقاً توبّخ شخصاً ما على شيء، فمن المعتاد أن يبقى هذا الأمر محفوظاً في الذاكرة لفترة من الزمن".

"اختلاف بالتعامل مع المشاعر"

يعتقد سميرود بأن هناك تبايناً في الحساسية، لكنه يؤكد أن لدى الرجال المقدار ذاته من العاطفة مثل النساء. ويقول: "نحن فقط لا ندرك ذلك. هناك تقليد أقلّ في إظهار المشاعر ومعرفتها. إنهم لا يدركون بالضرورة كيفية توصيلها بشكل جيد جداً. إنها طريقة مختلفة للتعامل مع المشاعر".

ويضيف: "ثمة قوة كبيرة في تحقيق مناخ عاطفي صحيح، ممّا يعني وجوب قبول العواطف، ولكن لا يمكننا أن نسمح لها بالسيطرة علينا. هذا جزء هائل من كيفية إدارتي... إنهما جانبان من العملة ذاتها. تعمل مع اللاعبين وكرة القدم والبشر".

سميرود يرى أن فرق النساء عموماً تتجنّب الأخطار أكثر، وبالتالي قد تكون هناك حاجة أكبر لتشكيل بيئة آمنة بشكل أكبر. ويقول: "التوضيح والحزم يوجدان الأمان. إذا كان الأمر غير واضح، فهذا ليس آمناً. تحتاج إلى الحزم بشأن كيفية تصرّفنا وقيمنا".

وهذا يُذكّر بأسلوب مدربة منتخب إنجلترا للسيدات، سارينا ويغمان، إذ قدّمت وضوحاً للاعبات، وهذا ما أحببنه كثيراً، لدى تعيينها للمرة الأولى في سبتمبر 2021.

سميرود ينبّه إلى أن الوضوح أمر، والاهتمام أمر آخر. ويقول: "من المهم إبلاغ كل لاعبة: أنا هنا لأتعرّف عليك وأساعدك".

لاعبة بنفيكا كيكا نازاريت قبل مباراة ضد أولمبيك ليون في دوري أبطال أوروبا للسيدات - 19 مارس 2024
لاعبة بنفيكا كيكا نازاريت قبل مباراة ضد أولمبيك ليون في دوري أبطال أوروبا للسيدات - 19 مارس 2024 - Reuters

غرفة تغيير الملابس

وبالنسبة إلى فيلاهامن، تمثلت إحدى الطرق للحصول على تقييم سريع من فرق الرجال، في التواجد بغرفة تغيير الملابس. ويقول: "تتلقى الملاحظات مباشرة بين الشوطين أو بعد المباراة، إذ يمكنك التواجد قرب اللاعبين. يمكنك المشاركة والاستماع إلى إحباطهم، وهذا أمر مفيد كمدرب، لأنني أستطيع استخدام تلك المعلومات".

ومع ذلك، لا يمكن لمدرب رجل أن يكون في غرفة ملابس الإناث، أو العكس، عندما يقوم اللاعبون بتغيير ملابسهم. الأمر ذاته ينطبق على كرة القدم للشباب.

يقول فيلاهامن: "لا أستطيع حقاً فهم ما يتحدثن عنه، مدى التوتر الذي يشعرن به قبل المباراة؟ ما الذي يتحدثن عنه؟ الوقت الوحيد الذي أستطيع فيه فهم عواطفهنّ، هو بين شوطي المباراة، وهذا ما أحبّه لأنني أريد أن أسمع آرائهنّ. تصبح منفصلاً عن الفريق أكثر من الوضع بالنسبة إلى كرة القدم للرجال".

سميرود يشير إلى أن "مسائل كثيرة وجدتها مفيدة ومهمة في العمل مع النساء، هي الآن جيدة جداً في أسلوب اللعب الحديث للرجال أيضاً".

وعندما يقود فرق الرجال والنساء، يستخدم سميرود دائماً معرفته بهذه التكييفات العامة كنقاط بداية. ويقول: "إنها مسألة توازن. أنا أتكيّف مع الدخول، ولكن بعد ذلك يتعلّق الأمر بقراءة (الموقف). كمدرب وقائد، كنْ على دراية بالاتجاهات المختلفة واستخدمها بطريقة جيدة".

مدربة منتخب إنجلترا سارينا ويغمان خلال تمرين أثناء دوري الأمم الأوروبية للسيدات – 19 سبتمبر 2023
مدربة منتخب إنجلترا سارينا ويغمان خلال تمرين أثناء دوري الأمم الأوروبية للسيدات – 19 سبتمبر 2023 - Reuters
تصنيفات

قصص قد تهمك