عادةً ما يشير اليوم الأول من سبتمبر إلى نهاية فترة الانتقالات الصيفية في الدوري الإنجليزي الممتاز، لكن الأندية باتت تواجه الآن موعدين نهائيين يجب التعامل معهما، بحسب موقع "ذا أتلتيك".
أصبح 30 يونيو يوماً مهماً أيضاً بالنسبة إلى المديرين التنفيذيين الذين يديرون أندية الدوري الإنجليزي الممتاز، إذ يتزامن مع اليوم الأخير من السنة المالية. ويعني ذلك أن هذا هو التاريخ الذي يحتاجون فيه إلى ترتيب حساباتهم، من أجل إثبات امتثالهم لقانون الربح والاستدامة، الذي يُعاقَب مَن ينتهكه الآن بخصم نقاط منه.
وبات نوتنغهام فورست أحدث فريق في الدوري يخالف القواعد، وخُصمت منه 6 نقاط في 18 مارس، بسبب خرق "مهم" لقانون الربح والاستدامة.
وبصفته نادياً صاعداً من الدرجة الأولى (تشامبيونشيب)، يُسمح له بخسائر تبلغ 61 مليون جنيه إسترليني (77 مليون دولار) في موسم 2022-2023. ولكن تبيّن أنه تجاوز هذا الحدّ لفترة ثلاث سنوات، بمقدار 34.5 مليون جنيه إسترليني.
خصم نقاط
النقاط المخصومة خُفضت من 6 إلى 4، بعدما تعاون النادي مع الدوري الإنجليزي الممتاز وكذلك بسبب استئنافه العقوبة. كذلك خُفضت النقاط المخصومة من إيفرتون، بسبب انتهاكه القانون ذاته، من 10 إلى 6 نقاط بعد الاستئناف.
وفي الأسبوع الماضي أحال الدوري الإنجليزي نادي ليستر سيتي، الذي هبط إلى الدرجة الأولى في نهاية موسم 2022-2023، إلى لجنة مستقلة بسبب انتهاك مزعوم لقانون الربح والاستدامة. وأعرب مسؤولو النادي عن شعورهم "بخيبة أمل شديدة" نتيجة القرار.
وبموجب قانون الربح والاستدامة، يُسمح للأندية بخسارة 105 ملايين جنيه إسترليني كحدّ أقصى على مدى ثلاثة مواسم، أو 35 مليون جنيه إسترليني في الموسم الواحد. ولكن يمكن خصم بعض التكاليف المحدّدة، مثل الاستثمار في تنمية الناشئين والبنية التحتية والعمل المجتمعي وكرة القدم النسائية.
عواقب تأخير بيع لاعب
ولكن هل هناك خلل في هذا النظام؟ إذا كان محتملاً أن تتعرّض الأندية لخصم ثلاث أو أربع نقاط بسبب انتهاكها القواعد، فهل يستحق الأمر الاحتفاظ بلاعبين بعد 30 يونيو، إذا كانت تعتقد بأن اللاعب أو اللاعبين الذين يتوجّب عليها التخلّي عنهم، يمكن أن يحققوا لها انتصارات في بداية الموسم؟
يمكن بيع هؤلاء في نهاية أغسطس، وقد يكون الأمر مغرياً بشكل خاص، إذا كانت لدى هذا الفريق مباريات افتتاحية سهلة، لدى سحب قرعة الدوري الإنجليزي الممتاز في يونيو.
ربما يكون الوضع كذلك، لكن تطبيقه ليس محتملاً، وفقاً لمديرين تنفيذيين سابقين متمرّسين في الدوري الإنجليزي الممتاز.
وقال أحدهم، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "لا أعتقد بأن أيّ شخص سيفعل ذلك، فالخطر هو ألا تحصل على خصم النقاط الأربع فقط، بل على 10 أو عقوبات أخرى. ولذلك لن يرغب أحد في تحمّل هذه المجازفة، إذ أن الفوز بالمباريات أمر غير مضمون، ولذلك فإن النادي قد يخسر المباريات الثلاث ثم يخسر نقاطاً أيضاً".
ويتفق مع هذا الرأي مدير سابق لكرة القدم في نادٍ بالدوري الإنجليزي، كان مسؤولاً عن شراء اللاعبين وبيعهم، بقوله: "إذا كان لديك عرض، فستبيع اللاعب، وعندما تكون مديراً لكرة القدم، فستعلم أن ذلك سيحدث. وإذا قمت بالبيع قبل 30 يونيو، ستكون الصفقة أكثر سلاسة وسيمكنك محاولة الحصول على بديل قبل بداية الموسم".
وأضاف: "إذا وصلت لشراء لاعب قبل 30 يونيو، فأنا متأكد من أنه سيكون أرخص ممّا لو وصلت في يوليو أو أغسطس. لماذا؟ بسبب الموعد النهائي المقرر في 30 يونيو".
وتابع: "ولكن إذا احتفظت باللاعب إلى ما بعد 30 يونيو، مدركاً أن عليك بيعه، فأنت بذلك تؤخر المشكلة فقط، إذ يمكنك بيعه في الصيف والحصول على خصم النقاط، ولكن الخسائر المالية لهذا الموسم يمكن أن تستمرّ، لأنها تكون مبلغاً متوسطاً على مدى ثلاث سنوات".
وأشار إلى أن "أندية كثيرة في إنجلترا، تحتاج إلى بيع لاعب واحد في المتوسّط سنوياً".
نموذج جاك غريليش
بالنسبة إلى أستون فيلا، كان ذاك اللاعب هو جاك غريليش. ففي عام 2021، دفع مانشستر سيتي 100 مليون جنيه إسترليني لضمّه، ممّا يعني أن رسوم الانتقال صُنّفت على أنها ربح خالص.
ويسعى أستون فيلا الآن للتأهل إلى دوري أبطال أوروبا، بعد استثماره بكثافة في لاعبين، مثل إيميليانو بوينديا (33 مليون جنيه إسترليني)، وليون بايلي (30 مليوناً)، وباو توريس (31.5 مليون)، وموسى ديابي (36.4 مليون)، إضافة إلى تعاقدات كثيرة أخرى في مقابل رسوم ضخمة نسبياً أيضاً.
ولكن من أجل التغلّب على هذه المشكلة، ومع أخذ قانون الربح والاستدامة في الاعتبار، أقدم النادي على بيع لاعبين من مركز الإعداد، أوّلهم غريليش، ثم تبعه آخرون، أبرزهم آرون رامسي إلى بيرنلي (14 مليون جنيه إسترليني) وكاميرون آرتشر إلى شيفيلد يونايتد (18.5 مليون).
الخطأ في تقدير الحسابات
رغم ذلك، سجّل أستون فيلا خسارة مقدارها 119.6 مليون جنيه إسترليني لموسم 2022-2023، وبات هناك شعور عام بأن عليه التخلّي عن لاعب بارز لتحقيق ربح ضخم قبل 30 يونيو، من أجل الامتثال لقانون الربح والاستدامة.
وأشار كيران ماغواير، وهو خبير مالي لكرة القدم ومُعدّ كتاب "The Price of Football"، إلى أن أستون فيلا لن يستفيد من بيع غريليش، وفقاً لحسابات قانون الربح والاستدامة، بدءاً من موسم 2024-2025.
ماغواير يعتقد، كما هو الحال مع المديرين التنفيذيين السابقين في الدوري الإنجليزي الممتاز، بأن تفويت النادي الموعد النهائي في 30 يونيو لتحسين فرصه في إحراز نقاط بالدوري في أغسطس، سيكون خطراً جداً.
وسأل: "هل من الممكن التلاعب بالنظام الحالي إلى حدّ ما؟ هذا ممكن دائماً، ولكنه لا ينبغي أن يحدث. إذا أخطأت في تقدير حساباتك، فماذا سيحدث إذا خاض هذا اللاعب معك المباراة الافتتاحية (بالدوري) وأُصيب بقطع في الرباط الصليبي ولم تعُد تستطيع بيعه لمدة 12 شهراً أخرى وكنت تضع ميزانيتك وفقاً لهذه الصفقة؟".
صفقة ديكلان رايس
يشير المديرون التنفيذيون السابقون في الدوري الإنجليزي الممتاز إلى انتقال ديكلان رايس بقيمة 105 ملايين جنيه إسترليني من وست هام يونايتد إلى أرسنال الصيف الماضي باعتباره مثالاً، قائلين إن أحداً في قطاع كرة القدم لم يعتقد بأن أرسنال حصل على صفقة جيدة، رغم أن رايس لاعب خط وسط موهوب.
وتشمل أمثلة أخرى تم الاستشهاد بها على وصول السوق إلى مستويات غير مستدامة، صفقة تعاقد تشيلسي مع الأرجنتيني إنزو فرنانديز من بنفيكا في يناير 2023، بقيمة 106 ملايين جنيه إسترليني، وإنفاقه أيضاً 115 مليوناً لضمّ مويسيس كايسيدو من برايتون الصيف الماضي.
ويتوقع المدير السابق لكرة القدم أن استهداف اللاعبين الذين انتهت عقودهم والذين يتبقى لهم عام واحد في عقودهم، سيصبح شائعاً أكثر بالنسبة إلى النوادي، كوسيلة لتجنّب دفع رسوم انتقال ضخمة، ممّا يشير أيضاً إلى أن سوق الانتقالات الداخلية في المملكة المتحدة ستعيد ضبط نفسها على مستوى جديد أكثر استدامة. وأضاف: "الحلّ المناسب للبقاء في الدوري الإنجليزي الممتاز والاحتفاظ بالرواتب المرتفعة بسبب ارتفاع الإيرادات الأخرى، يكمن في تقليص رسوم الانتقال".
وأشار إلى أن "الأندية ستحاول خفض القيمة الكلاسيكية للانتقالات، التي تتراوح بين 30 و40 مليون جنيه إسترليني إلى 15-25 مليوناً"، معتبراً أن "رسوم الانتقال ستشهد خفضاً كبيراً" الموسم المقبل.
"رسوم انتقالات جنونية"
رسوم الانتقالات المتضخمة تواصل الإضرار بموازنات الأندية. وقال المدير التنفيذي السابق: "لا أعتقد بأن تضخّم الأجور في الموسمين الماضيين كان قريباً ممّا كان عليه قبل أربعة أو خمسة مواسم، لكن رسوم الانتقالات باتت جنونية".
وتابع: "الأرقام المذكورة لجميع اللاعبين على كلّ المستويات لا تُصدّق، ولست متأكداً من أن الناس يدركون أن لتكلفة رسوم الانتقال تأثيراً كبيراً في الأرباح، إذ ينظرون غالباً إلى مركز (النادي في) الدوري والأجور، لكن كيفية تسديد رسوم الانتقال هو الأساس".
وزاد: "لهذا السبب أبرم تشيلسي عقوداً مدتها ثماني سنوات، كي يُبقي خسائره منخفضة، ولكن بعد ذلك يكون لديه لاعب مسجل في حساباته لثماني سنوات. وفي حال لم يلعب أو لم يكن أحد يريده، فسيتم الاحتفاظ به في الحسابات لثماني سنوات، وهذا أمر خطر جداً".
التضخم في كرة القدم
في ديسمبر الماضي، فرض الدوري الإنجليزي الممتاز مدة خمس سنوات حداً أقصى لتسديد رسوم الانتقالات، لكن ماغواير أجرى بحثاً بشأن التضخم في كرة القدم وما يعنيه في ما يتعلّق بعتبة قانون الربح والاستدامة، البالغة 105 ملايين جنيه إسترليني والتي أُقرّت قبل عقد.
وقال: "إذا قمت بقياس معدّل التضخم باعتباره القدرة على الدفع، والذي يعتمد على الإيرادات، فإن مبلغ 105 ملايين جنيه إسترليني عام 2013 سيكون 216 مليوناً اليوم".
وأضاف: "تضاعفت إيرادات كرة القدم خلال العقد الماضي، وهذا يعني تضاعف القدرة على دفع الأجور ورسوم الانتقالات، ممّا يعني أن مبلغ 105 ملايين جنيه إسترليني يبدو رقماً كبيراً".
وبصرف النظر عن الطريقة التي تقرّر بها التعامل مع قانون الربح والاستدامة الآن، بعدما أدى انتهاك القواعد إلى احتمال خصم نقاط، ستكون أندية الدوري الإنجليزي الممتاز أكثر التزاماً من أيّ وقت بالموعد النهائي في 30 يونيو. وأبرزت حالتا إيفرتون ونوتنغهام فورست أهمية التغييرات التي بدأت الأندية بإجرائها، لترتيب مواردها المالية من أجل قانون الربح والاستدامة.
أياً يكن الأمر، فإن تأثير القانون في سوق الانتقالات بات واضحاً.
