ديربي "الوداد والرجاء".. ظاهرة عالمية وسنوات من جنون كرة القدم

رحلة صحفي أوروبي من ديربيات بوينس آيرس الملتهبة إلى قلب المغرب

time reading iconدقائق القراءة - 2
صورة لمدرجات جمهور الوداد في ديربي "كازابلانكا" - 29 أكتوبر 2025 - X/@WACofficiel
صورة لمدرجات جمهور الوداد في ديربي "كازابلانكا" - 29 أكتوبر 2025 - X/@WACofficiel
دبي -يوسف الشافعي

عشر سنوات كاملة مرّت منذ أن تركتُ الأرجنتين وديربياتها الأسطورية خلفي. عشر سنوات وأنا أبحث في القارة العجوز عن تلك الحرارة نفسها، ذلك الجنون الذي عشته في بوينس آيرس: بوكا جونيورز ضد ريفر بليت، راسينغ ضد إندبندينتي، نيولز أولد بويز ضد روزاريو سنترال. لم أجد ما يضاهيها في أوروبا. لكن في 29 أكتوبر الماضي، وفي الدار البيضاء تحديداً، عثرتُ أخيراً على ضالتي.

استغرق الأمر ثلاث سنوات من الانتظار لاختيار اللحظة المثالية لحضور مواجهة الوداد الرياضي والرجاء البيضاوي، أحد أعظم ديربيات كرة القدم في العالم. ثلاث سنوات من التأجيلات والإلغاءات والمباريات خلف الأبواب المغلقة والمقاطعات من الجماهير المتطرفة. في كل مرة كنت أستعد فيها للسفر، كان أصدقائي المغاربة ينصحونني بالانتظار قليلاً، "حتى يحين موعد المواجهة الحقيقية".

الفوضى تبدأ قبل ساعات من المباراة

قبل ثلاث ساعات من صافرة البداية في ملعب محمد الخامس، كانت الأناشيد تصدح بالفعل. بينما كنت أستلم اعتمادي الصحفي برفقة المصور راج، شاهدنا مجموعة من مشجعي الرجاء بقمصانهم الخضراء يتسللون عبر إحدى البوابات متجاوزين نقاط التفتيش الأمنية.

"في آخر مباراة شاهدتها هنا، كان هناك سبعة متفرجين على مقعدين"، همس لي أمين، سائقنا الشاب الذي فضّل الابتعاد عن عالم الكرة. انتهى المطاف بالمراهقين الأقل حظاً في سيارة الشرطة. أما الآخرون، فكافأتهم جرأتهم بالدخول.

في شارع مجاور، شهدنا مطاردة حقيقية: مشجعو الرجاء يفرّون أمام مجموعة من جماهير الوداد بقمصانهم الحمراء، يحملون سلاسل الدراجات. كاد أحد مشجعي الرجاء على دراجة نارية أن يسقط بعد اعتداء من أحد أنصار الوداد، وذلك أمام شرطي المرور الذي لم يحرك ساكناً. اتفقنا أنا والمصور على أننا أحسنّا اختيار ملابسنا المحايدة.

تاريخ عريق يفصل بين عملاقي المغرب

الوداد والرجاء هما الفريقان الوحيدان اللذان لم يهبطا من الدرجة الأولى منذ تأسيس الدوري المغربي عام 1956، تاريخ استقلال المغرب. على يساري في المدرج الشمالي، الوداد "العميد"، المؤسس عام 1937 في ظل الحماية الفرنسية، بـ22 لقباً محلياً وثلاثة ألقاب لدوري أبطال أفريقيا (1992، 2017، 2022)، واعتُبر أفضل نادٍ مغربي في القرن العشرين وفقاً للفيفا.

على يميني، الرجاء، المؤسس عام 1949 في حي درب السلطان الشعبي على يد مجموعة من النقابيين والمستقلين. النادي الأكثر تتويجاً في المغرب خلال القرن الحادي والعشرين، والفائز أيضاً بثلاثة ألقاب إفريقية (1989، 1997، 1999).

"تاريخياً، مشجعو الوداد من طبقة مثقفة ومرفهة، بينما يجسد مشجعو الرجاء الشعب وصوت المهمشين"، يشرح رضا زروق، الصحفي في موقع "لو سيت أنفو".

مباراة توقفت ثلاث مرات وأضيف لها 23 دقيقة

وراء الألقاب، هناك العروض البصرية المذهلة (التيفو) والألعاب النارية التي صنعت أسطورة هذا الديربي. وبصراحة، خلال نصف ساعة تقريباً من ظهور الفريقين حتى الدقيقة العشرين، ركزت على ما يحدث في الملعب ثلاث أو أربع مرات فقط.

بدأ مشجعو الأخضر والأبيض الهجوم قبل صافرة البداية، يدوّرون أوشحتهم فوق رؤوسهم، ويهتفون بصوت عالٍ على فترات منتظمة.

في المقابل، رد "الوينرز" (ألتراس الوداد) بصافرات مدوية، ثم قدموا أول عرض بصري بعنوان "التوأم الأخير"، ساخرين من الانقسامات بين "الغرين بويز" و"ألتراس إيغلز"، مجموعتي مشجعي الرجاء.

"هم دائماً في صراع، يُهلل نورس، أحد مؤسسي "الوينرز". فليواصلوا هكذا وسينتهون قريباً".

اشتعل المدرج الجنوبي حرفياً حين سقطت مشاعل خضراء على لفافات الورق المرمية على مضمار الملعب. حاول رجال الإطفاء إخماد الحريق، بينما أوقف الحكم المباراة للمرة الأولى، فيما غطى دخان رمادي كثيف الملعب بأكمله. بلغ الوقت الإضافي لهذا الديربي الذي توقف ثلاث مرات 23 دقيقة!

حرب الشوارع: الوداد يسيطر على المدينة العتيقة

يعرف مشجعو الوداد كيف يفرضون وجودهم. احتفل "الوينرز" بمرور عقدين على تأسيسهم بتفجير ألعاب نارية حمراء الشهر الماضي قرب برج إيفل في باريس، ثم في نيويورك، وفي حي الكورنيش بالدار البيضاء.

في اليوم السابق للمباراة، تجولت في المدينة العتيقة حيث تزين "غرافيتي" الوداد كل ركن وجدار. بعد أن ضللت طريقي لأكثر من ساعة في متاهة الأزقة، وجدت لمسة خضراء واحدة فقط، على جدارية يهاجم فيها مشجع للوداد منافسه، مرفقة بعبارة بالإيطالية: "في الدار البيضاء، أنتم ضيوف".

ليس غريبًا ظهور اللغة الإيطالية في أعمال "الوينرز"، إذ استلهموا منذ تأسيسهم حركة "الألتراس" الإيطالية، شأنهم في ذلك شأن نظرائهم من مشجعي الرجاء. وسيطرتهم على قلب المدينة التاريخي منطقية، فهنا بالتحديد وُلد "الإمبراطور" تحت رعاية محمد بن جلون، الشخصية البارزة التي أسست عدة مؤسسات رياضية.

درب السلطان: معقل الرجاء التاريخي

لإيجاد آثار الرجاء (الذي يعني "الأمل" بالعربية)، يجب التوجه إلى شارع الفداء، حيث يقع مقهى "مزيلات" في قلب حي درب السلطان، مهد المقاومة البيضاوية أيام الحماية الفرنسية.

المقهى كهف علي بابا حقيقي يمجد "فريق الشعب"، مع عشرات الصور بالأبيض والأسود المعلقة على الجدران. تظهر بوضوح صور مشاركات الرجاء في كأس العالم للأندية، وخاصة المباراة النهائية أمام بايرن ميونيخ (0-2) عام 2013، ومواجهة برشلونة ليونيل ميسي في طنجة (0-8) عام 2012. وهناك أيضاً صورة قديمة لدييغو مارادونا بقميص نابولي، وعدة كؤوس ذهبية.

"منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، يروّج الرجاء لأسلوب استعراضي"، يشير عثمان شرفاوي، أحد مشجعي "النسور الخضر" الذي ورث حب الفريق عن والده. "مشاهدة الفريق وهو يلعب هذا النوع من كرة القدم كان دائماً متنفساً لسكان درب السلطان والأحياء الشعبية الأخرى".

العنف يؤدي إلى حظر الألتراس

للأسف، تحولت المنافسة بين "الوينرز" و"الغرين بويز" تدريجيًا إلى عنف، أدى إلى شجارات وتحطيم سيارات ومتاجر في محيط الملعب خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

أُعلنت مجموعات "الألتراس" خارج القانون في ربيع 2016 من طرف والي جهة الدار البيضاء-سطات، إثر اشتباكات بين مشجعي الرجاء أدت إلى مقتل شخصين وأكثر من سبعين جريحاً.

"اجتمعنا حينها وقررنا أن نرتدي الأسود بالكامل احتجاجاً حتى يتغير الوضع"، يروي نورس. "وبعد عامين، تراجعت السلطات وسمحت لنا باستئناف نشاطنا، لأنهم فهموا أننا لن نتخلى أبداً".

في الموسم الماضي، جرت مباراة الذهاب بين الوداد والرجاء خلف أبواب مغلقة في ملعب العربي الزاولي. وقاطع المشجعون مباراة الإياب في ملعب محمد الخامس انتقاماً.

"لسنا دمى"، يصرخ محدثنا من "الوينرز". "يوماً نُمنع من تشجيع فريقنا، ويوماً آخر يطلبون منا العودة لإضفاء الحماسة... اتفقنا مع مشجعي الرجاء على عدم المشاركة في هذا المسرح الهزلي".

 

النساء ممنوعات من دخول مدرجات الألتراس

ميمون، التي أخذت يوم إجازة لتأتي من الرباط لحضور هذه العودة الباهرة، تؤيد الرأي نفسه. "لقد حاولوا قتل الديربي"، تقول هذه المشجعة التي تأسف على عدم قدرتها على دخول المدرج الشمالي، معقل "الوينرز"، منذ أن مُنعت النساء من دخوله عام 2019.

"في المرة الأخيرة، ارتديت قناعاً لأمر دون أن يُلاحظ أمري، لكن تلك الأيام ولّت بلا رجعة"، تتنفس الصعداء. "يزعمون أننا نُثير الفتنة... ومع ذلك، في المباريات خارج الديار، لا يستطيع الألتراس منعنا من دخول المدرج المخصص لنا، لذا أذهب إليه".

الجانب المظلم: سكاكين وعنف

عندما تعرفت على سائقنا الشاب خلال جولتنا الصباحية، شعرت بعدم ارتياح لديه حين سألته لماذا تخلى عن كرة القدم. بعد أن أنزل المصور، حاول أن يروي لي قصته.

حكى لي أن "الكبار" في حيه اعتبروه واحداً منهم، مشجعاً ودادياً مخلصاً. ولإثبات ولائه لمجموعته الجديدة، اضطر إلى توصيل حقيبة ظهر مليئة بالسكاكين قرب الملعب قبل مباراة ضد نهضة بركان.

ومنذ ذلك الحين، قطع كل صلة بتلك المجموعة. "لا أريد أن أذهب إلى السجن من أجل كرة القدم، أريد أن أدرس لأضمن مستقبلي"، اعترف لي بصوت مرتجف.

 

المدرجات تتحول إلى منابر احتجاجية

المستقبل، هذا هو الموضوع الذي يشغل الشباب المغربي، كما تعكسه الأناشيد في المدرجات التي غالباً ما تحمل طابعاً احتجاجياً اجتماعياً.

"ما يُسمع في الملعب غالباً ما يتجاوز الإطار الرياضي البحت"، يوضح رضا زروق. "على سبيل المثال، دعم مشجعو الرجاء فلسطين دائماً، وحتى قبل الحرب على غزة".

خلال الديربي، سمعنا نشيداً للوداد يعبر عن معاناة الشباب: "ذهبت إلى المدرسة وأريد العمل، لكن بلادي لم تمنحني شيئاً. أناس يعيشون في الجبال (في فقر مدقع) وآخرون في القصور. لا أشعر بالارتياح في هذا البلد المليء باللصوص، لقد تعبت من الانتظار".

طموحات كروية كبيرة: من أكاديمية محمد السادس إلى كأس العالم

استثمر المغرب بكثافة في بناء البنية التحتية الرياضية استعدادًا لكأس أمم Yفريقيا (من 21 ديسمبر إلى 18 يناير)، ولنهائيات كأس العالم 2030 التي سيستضيفها مع إسبانيا والبرتغال.

بعد أن بلغ المنتخب المغربي نصف نهائي مونديال قطر 2022، وفاز بكأس العالم تحت 20 عامًا في أكتوبر، بدأ المغرب يفرض نفسه تدريجياً بين دول كرة القدم المؤثرة. المنتخب النسائي وصل إلى نهائي كأس أمم أفريقيا مرتين (2022، 2025)، وتأهل إلى ثمن النهائي في أول مشاركة له بكأس العالم 2023 بأستراليا ونيوزيلندا.

بدأ المغرب الاستثمار بكثافة في كرة القدم عام 2008، مع تأسيس أكاديمية محمد السادس في سلا (ضواحي العاصمة الرباط). تحت إشراف ناصر لارغيت، المدير السابق لمراكز تكوين عدة أندية فرنسية، يتدرب أفضل المواهب في مرافق فائقة الحداثة.

بالتوازي، وضعت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم (اتحاد كرة القدم) برنامجاً محكماً لاكتشاف اللاعبين ذوي الأصول المزدوجة في أوروبا، خاصة في فرنسا وبلجيكا وهولندا.

الدار البيضاء الجديدة: ورشة عملاقة

خارج الملعب، يقود المغرب مشاريع تنموية كبرى لتحديث البلاد، مع تركيز خاص على الدار البيضاء، قطبها الاقتصادي. الترامواي، ناطحات السحاب، مواقف السيارات، الشوارع العريضة، الأنفاق، الطريق الدائري، الكورنيش: أصبحت المدينة ورشة ضخمة.

"هذا التطوير الحضري جزء من رؤية استراتيجية وُضعت عام 2009"، يوضح كريم الرويسي، مهندس معماري ورئيس جمعية "كازا ميموار" التي تهدف إلى الحفاظ على التراث المعماري للمدينة. "ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن استضافة كأس العالم شكلت حافزاً قوياً لتسريع هذه المشاريع".

 

ملعب الحسن الثاني الكبير: الأكبر في العالم

في صيف 2024، انطلق مشروع طموح جداً في غابة بن سليمان، على بعد خمسين كيلومتراً شرق الدار البيضاء. وُضعت حجر الأساس لملعب الحسن الثاني الكبير مؤخراً، تمهيداً لتسليم المشروع بحلول عام 2028.

سيتخذ سقف الملعب المصنوع من الألمنيوم الشفاف شكل "الخيمة" التقليدية التي يسكنها البدو في الصحراء. بسعته التي تصل إلى 115 ألف متفرج، سيصبح ملعب الدار البيضاء الكبير أكبر ملعب في العالم، ويدخل في سباق مع ملعب سانتياغو برنابيو لاستضافة نهائي كأس العالم 2030.

يقع هذا المجمع الرياضي الضخم على مساحة 100 هكتار بين الرباط والدار البيضاء، وسيضم أيضاً ملعباً أولمبياً لألعاب القوى بسعة 25 ألف متفرج، ومسابح أولمبية، وعدة قاعات رياضية، ومركز مؤتمرات، ومناطق تجارية، وفندقًا، ومدينة رياضية كاملة، وسيتم ربطه بالمدينتين عبر الطريق السريع وقطار سريع وخط جديد للقطار فائق السرعة.

تخوفات من فقدان الروح الشعبية

"موقعه خارج المدينة سيجنب الدار البيضاء ازدحام المرور"، يرى كريم الرويسي. لكن هل سيستضيف مستقبلاً مواجهات الوداد والرجاء؟

"سيكون من الصعب والطويل على سكان الدار البيضاء الوصول إليه، خاصة أيام الأسبوع بعد العمل"، تحكم ميمون. "بالنسبة لي، لا يمكن تسميته ملعب الدار البيضاء الكبير، لأنه بعيد جداً عن المدينة. بل ولا أتصور كيف سيتمكن مشجعو الفريقين من التنقل معاً بالقطار. لو وصلت النصف، فسيكون ذلك معجزة".

كما أنها مشجعة مخلصة للأسود الأطلس، لكنها تخلت عن حضور كأس أمم إفريقيا لأسباب متعددة. "كان الحصول على التذاكر كابوساً حقيقياً. مثل كثيرين، فشلت في إنشاء بطاقة الهوية الافتراضية FAN ID. لكن على أية حال، لم تكن لدي رغبة حقيقية في الذهاب لأنني أرى أن هناك الكثير من محبي الشاي في الملاعب المغربية الآن، يفضلون الاستمتاع بالمشروبات على متابعة المباراة. وأعتقد أن الوضع سيكون أسوأ في كأس العالم 2030".

بعد اختبار كأس أمم إفريقيا على أرضه، سيكون لدى المغرب أربع سنوات ونصف لإجراء التعديلات اللازمة استعداداً لعرس كرة القدم العالمي. تحدٍ يتناسب مع طموحات الأسود الأطلس الكبيرة.

* مترجمة بتصرف عن صحيفة "lequipe"

تصنيفات

قصص قد تهمك