من وادي دجلة إلى مانشستر سيتي.. رحلة عمر مرموش لتحقيق حلم دوري الأبطال

time reading iconدقائق القراءة - 2
عمر مرموش بعد تسجيله 3 أهداف لمانشستر سيتي في مرمى نيوكاسل يونايتد بالدوري الإنجليزي الممتاز - 15 فبراير 2025 - X/@ManCity
عمر مرموش بعد تسجيله 3 أهداف لمانشستر سيتي في مرمى نيوكاسل يونايتد بالدوري الإنجليزي الممتاز - 15 فبراير 2025 - X/@ManCity
دبي-الشرق

كان نشيد دوري أبطال أوروبا يُعزف بينما يقف عمر مرموش في صفّ اللاعبين، بشكل مستقيم، مستعداً لإثبات نفسه كواحد من أفضل لاعبي كرة القدم في العالم.

لكن هذا المشهد لم يكن في ملعب "الاتحاد" أو "سانتياغو برنابيو"، بل في منزل بمصر.

ويقول حسين زكري، أفضل صديق لمرموش، لموقع The Athletic: "عندما كنا أطفالاً نلعب كرة القدم داخل المنزل أو في الحديقة، كنا نقف في صفوف وكأننا نلعب في دوري أبطال أوروبا مع نشيد البطولة في الخلفية". 

وبعد سنوات، حقق المهاجم الجديد لـمانشستر سيتي هذا المشهد في الواقع. ففي الأسبوع الماضي، خاض أول مباراة له بدوري الأبطال، إذ دخل في الدقيقة 84 ضد ريال مدريد في ملعب "الاتحاد"، لكنها كانت لحظة غير مؤاتية، إذ أضاع سيتي تقدّمه وخسر 2-3.

والأربعاء المقبل قد يشارك مرموش مرة أخرى، إذ يسعى سيتي لتعديل النتيجة بمباراة الإياب في إسبانيا، والسبت الماضي سجّل أول ثلاثية "هاتريك" في مسيرته، بمرمى نيوكاسل يونايتد في الدوري الإنجليزي الممتاز.

من وادي دجلة إلى فولفسبورغ

زكري يعرف المهاجم الجديد لمانشستر سيتي منذ كانا في المدرسة الابتدائية ولعبا معاً في أول نادٍ انضمّ إليه مرموش، هو وادي دجلة جنوب القاهرة.

وعادةً ما يتم خطف أفضل المواهب المصرية من أحد أبرز ناديين في البلاد، الزمالك أو الأهلي، لكن تركيز مرموش كان على اللعب في الدوريات الأوروبية الكبرى منذ صغره، وهذا ما حققه عندما بلغ 18 عاماً، إذ انضمّ إلى فولفسبورغ الألماني عام 2017. 

ولكن قبل ذلك، أمضى مرموش 14 عاماً في وادي دجلة، الذي أُسّس عام 2002 وصعد بسرعة للعب في الدوري المصري الممتاز عام 2010، لكنه قضى الموسمين الماضيين في دوري الدرجة الثانية، بعد هبوطه عام 2021.

"لاعب بذهنية مختلفة"

وعندما زار موقع The Athletic المقرّ الرئيسي للنادي في حي المعادي جنوب القاهرة، كان الأطفال يلعبون على الملعب الذي تألّق فيه مرموش، على أمل أن يسيروا على خُطى المهاجم المصري.

ولدى الحديث مع المدربين السابقين لمرموش، في المكان الذي سجل فيه أهدافاً كثيرة عندما كان مراهقاً، كان هناك شعور بالفخر وهم يتأمّلون مسيرته، إذ يقول مدربه السابق جمعة الكاس: "كنا ندرك أنه سيبلغ هذه المرحلة، إذ كان يتمتع بذهنية مختلفة. كان مخلصاً ومتحمّساً ويحبّ كرة القدم".

وكان مرموش لاعباً ملتزماً جداً، ولم يرغب أبداً في تفويت التدريبات، وفي وقت كان المراهقون الآخرون يخرجون مساءً، كان مهاجم مانشستر سيتي وصديقه زكري يحرصان على عدم السهر لوقت متأخر، والحصول على قسط كافٍ من النوم ليكونوا نشطين في التدريب باليوم التالي.

التوفيق بين الدراسة والتدريب

كما كان مرموش مضطراً أيضاً للتوفيق بين الدراسة والتدريب، إذ أصرّ والداه على تركيزه على التعليم. وفي هذا الصدد قال مؤخراً خلال مقابلة مع برنامج "صاحبة السعادة": "في ذاك الوقت، لم أتفهّم لماذا كان والدي يطلب مني تفويت التدريب والذهاب إلى المدرسة بدلاً من ذلك، أو تفويت مباراة معينة كي أتمكّن من الذهاب إلى المدرسة. ولكن عندما كبرت، أدركت مدى أهمية المدرسة وحضور الدروس".

مدرسة مرموش ونادي وادي دجلة ساعداه في التوفيق بين الاثنين، إذ يقول زكري: "كانت المدرسة تسمح لنا بالمغادرة مبكّراً، أو إذا فاتنا شيء ما، كان في إمكاننا تعويضه في اليوم التالي. وفي الأيام التي لم نكن نتمكّن فيها من المغادرة مبكّراً بسبب الامتحانات، كنا نبلغ النادي ونتدرّب بشكل منفصل مع المدربين، بعد انتهاء تدريبات الفئة العمرية الخاصة بنا".

وادي دجلة يركّز على مساعدة اللاعبين الشباب من أجل التطوّر، وذلك ليس على الملعب فحسب، بل أيضاً كأشخاص، إذ يقول مؤسّس النادي ومالكه ماجد سامي إنهم يعملون على أربعة جوانب لدى تطوير اللاعبين الشباب، وتتمثل في تطوير المهارات الفنية الأساسية للاعب، ومنحه فرصاً للمشاركة في الفريق الأول، والسماح له بالانتقال إلى الخارج عندما تُتاح الفرصة، ومساعدته على المشاركة في المنتخب الوطني.

وظهر مرموش للمرة الأولى على المستوى الدولي عام 2021، وخاض 35 مباراة مع منتخب بلاده. وحين لعب مع منتخب مصر، كان قد غادر إلى ألمانيا، لكن الدور الأساسي الذي جعله ينضمّ إلى المنتخب، بما في ذلك تمثيل بلاده في كأس الأمم الإفريقية، يعود إلى ملاعب تدريب وادي دجلة.

"قائد في الملعب"

مرموش بدأ كجناح أيسر في فريق الشباب، لكنه كان مرتاحاً باللعب في أي مركز بخط الهجوم. وعندما كان يلعب أكثر على الجناح، كان يقترب من المرمى ويشكّل تهديداً مباشراً عليه، وكان دائماً جريئاً في استخدام الكرة، سواء في التسديد أو المراوغة، إضافة إلى أنه كان قوياً من الناحية البدنية.

ويقول زكري: "كان قوي البنية وسريعاً منذ صغره، وهذه السّمات الجسدية تساعده حتى الآن، إذ يتمتع بقدرة خاصة على التحرّك خلف المدافعين، كما يمتلك ميزة في المواجهات الفردية ضدهم. إضافة إلى ذلك، كان تسديده للكرة دائماً مميّزاً". 

ويقول عاشور هاشم، الذي درّب مرموش عندما كان في التاسعة من عمره: "كانت يتمتع بشخصية في الملعب... كان قائداً، يشجّع الجميع بصرف النظر عن نتيجة المباراة، وعندما يسجل فإنه يكون هادئاً ولا يحتفل بشكل هستيري".

"هاتريك" في مرمى الأهلي

جمعة الكاس يعتبر أن سلوك مرموش، الذي كان التعامل معه سهلاً ويستمع لما يُقال له، كان عاملاً مساعداً في تقدّمه طيلة مسيرته. لكن اقتحامه الفريق الأول في وادي دجلة جاء في يوم محدّد عندما فعل الأمر الذي جذب مانشستر سيتي إليه، وهو تسجيل الأهداف.

حدث ذلك عندما كان فريق الشباب الذي يضمّ مرموش، يلعب على ملعب مجاور للملعب الذي عادةً ما يتدرّب عليه الفريق الأول لوادي دجلة. ويقول الكاس: "كنا نلعب ضد الأهلي ومتأخرين 3-0، وسجّل مرموش ثلاثية وحينها طلب مدرب الفريق الأول، باتريس كارتيرون، أن يتدرّب معهم".

ثم منح كارتيرون مرموش ظهوره الأول في آخر مباراة من موسم 2015-2016، وصنع خلالها تمريرة حاسمة أدت إلى هدف الفوز، وكانت النتيجة 2-2. تمريرة مرموش مكّنت وادي دجلة من إنهاء الموسم في المركز الخامس.

وفي الموسم التالي، تولّى اللاعب السابق في الدوري الإنجليزي الممتاز أحمد حسام (ميدو) تدريب وادي دجلة، واستمرّ في تطوير مرموش، الذي سجل 3 أهداف في 8 مباريات كلاعب أساسي، مع 9 مشاركات أخرى على مقاعد البدلاء، قبل أن ينتقل إلى أوروبا.

اقرأ أيضاً

"لمسة برازيلية.. قذيفة.. ركلة حرة".. ماذا قال مرموش عن هاتريك ضد الأهلي؟

بات عمر مرموش على أعتاب استكمال إجراءات انتقاله إلى مانشستر سيتي في صفقة مدوية تقدر قيمتها بأكثر من 75 مليون يورو.

سياسة وادي دجلة

ويوضح مالك وادي دجلة أن مثل هذه الانتقالات هي هدف رئيسي للنادي، بقوله: "نحن نادٍ مغذٍ (للأندية الأخرى)، وبالتالي فإن النتائج ليست الأمر الأكثر أهمية بالنسبة إلينا، بل الهدف تطوير اللاعبين الذين يمكنهم اللعب في الفريق الأول خلال سنّ مبكّرة".

مالك النادي يفخر بالإنجازات التي حققها مرموش، ونظراً إلى أن كثيرين من مدربي النادي بذلوا جهداً ووقتاً لتطويره، فقد كان طبيعياً أن يستفيد ناديه القديم عندما انتقل من آينتراخت فرانكفورت (الذي انضمّ إليه من فولفسبورغ عام 2023) إلى الدوري الإنجليزي الممتاز الشهر الماضي.

مانشستر سيتي دفع لفرانكفورت نحو 70 مليون يورو إضافة إلى حوافز لضمّ مرموش، وذهبت 2.5% من هذه الرسوم إلى وادي دجلة كمدفوعات تضامن، تستهدف دعم الأندية التي أدت دوراً في تدريب وتطوير اللاعبين خلال مراحلهم المبكّرة.

تطوّر أسلوب لعب مرموش

ومع ذلك، فإن الأمر لا يتعلّق بالمال فقط، إذ أن رؤية أحد لاعبي الفريق وهو يشقّ طريقه إلى أعلى مستوى في كرة القدم، كانت أمراً لا يُقدّر بثمن بالنسبة إلى ناديه السابق.

وعندما بدأ اللعب مع الفريق الاحتياطي في فولفسبورغ بعمر 18 عاماً، كان مرموش لا يزال بعيداً عن اللاعب الذي هو عليه الآن، لكنه بذل جهداً لتطوير نفسه كي يتمكّن يوماً ما من تحقيق ذاك الانتقال الكبير إلى نادٍ يخوض دوري أبطال أوروبا.

ويقول هاشم إن أحد الجوانب التي كان يتوجّب على مرموش العمل عليها هي قدمه اليسرى، إذ كان يفضّل استخدام قدمه اليمنى، مضيفاً: "الآن يمكنه التسديد بالقدمين".

كذلك تطوّر وعيه التكتيكي أيضاً، إذ يقول زكري: "أخبرني عندما ذهب إلى ألمانيا أن التحسّن الأكبر الذي شهده كان في حركته من دون الكرة، أي متى يجب أن يركض، وكيف يفعل ذلك، وتمركزه من دون الكرة. تطوّر كثيراً في هذا الجانب، وبصرف النظر عن مدى قوته وسرعته، فإن هذا الجانب في لعبه هو الذي يمنحه الأفضلية ضد المدافعين".

"مرموش يكره الخسارة"

وأشار الموقع إلى أن القوة الدافعة وراء كل تقدّم مرموش تكمن في سعيه المستمرّ للبحث عن طرق لتحسين أدائه، ويعتبر مَن يعرفونه أنه يتمتع بروح تنافسية عالية، إذ يتعامل مع كل شيء باعتباره منافسة.

ويقول زكري: "مرموش يكره الخسارة، ولو لم تكن مرتبطة بكرة القدم. عندما يخسر، يكون الأمر لا يُطاق، فإذا خسر في مباراة، فسيستمرّ في التعلّم من أجل أن يهزمك".

ومن خلال الحديث مع زكري، يمكن رؤية الفخر في عينيه بينما يتحدث عن أقرب صديق له، بقوله: "إنه شعور لا يُوصف لأنني كنت مع عمر منذ البداية، كنا نحلم معاً وكانت حدودنا السماء. أنا سعيد جداً من أجله وفخور بأنني صديقه وأنني كنت معه منذ صغره حتى بلغ المكان الذي هو فيه الآن".

وعندما أخبر مرموش صديقه المقرّب أن هناك إمكانية لانتقاله إلى مانشستر سيتي، كان الخبر أكبر من أن يستوعبه زكري، إذ يقول: "لم أستطع تصديقه، فقد كان حلماً أن يلعب في هذا المستوى، كان حلمه دائماً أن يلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز".

كانت رحلة طويلة بالنسبة إلى مرموش، لكن الطفل الذي كان يحلم باللعب في دوري أبطال أوروبا بات أخيراً هناك بالفعل.

* مادة مترجمة من SRMG

تصنيفات

قصص قد تهمك

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.