بعد عام من الآن، سيستضيف المغرب كأس الأمم الإفريقية للمرة الثانية في تاريخه، إذ كانت الأولى عام 1988، كما أنه في عام 2030، سيكون واحداً من 3 دول رئيسية ستستضيف نهائيات كأس العالم لكرة القدم، إلى جانب إسبانيا والبرتغال (ستستضيف ثلاث دول أخرى، هي باراغواي والأرجنتين وأوروغواي، بعض المباريات للاحتفال بالذكرى المئوية لأول نسخة أُجريت من البطولة، والتي أُقيمت في أوروجواي).
وستكون هذه هي المرة الثانية فقط التي تستضيف فيها دولة إفريقية مباريات في البطولة، بعد جنوب أفريقيا في عام 2010.
وبالقرب من مدينة الدار البيضاء، مدينة الميناء الكبير، التي تعد المركز الاقتصادي والتجاري في المغرب، يجري الآن تشييد ملعب جديد، وهو ملعب "الحسن الثاني الكبير" الذي من المُخطَط له أن يتسع لـ 115 ألف متفرج، وسيكون أكبر ملعب لكرة القدم في العالم، ورمزاً للمكانة الجديدة التي اكتسبها المغرب باعتباره أحد القوى الصاعدة في عالم كرة القدم.
ويتمسك الكثيرون في البلاد بأملهم في أن يستضيف هذا الاستاد، الذي قيل على نطاق واسع أن تكلفته ستصل لحوالي 500 مليون دولار (398 مليون جنيه إسترليني)، المباراة النهائية في بطولة كأس العالم 2030.
لقجع.. قائد نهضة كرة القدم في المغرب
ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، إذ أنه قبل هذه البطولة، من المقرر أيضاً أن يستضيف المغرب النسخ الخمس المقبلة من كأس العالم للسيدات تحت 17 عاماً، اعتباراً من عام 2025، ومن المتوقع أن تستضيف العاصمة، الرباط، قمة كرة القدم العالمية المقبلة، وهو لقاء يشارك فيه قادة اللعبة وخبراء الصناعة، في أبريل المقبل.
ونشر موقع "The Athletic" الأميركي تقريراً يصف أن ما يجري في المغرب يكشف عن رحلة طويلة بالنسبة للبلد الذي لم يتأهل لكأس العالم لمدة عقدين حتى عام 2018، ثم وصل إلى الدور نصف النهائي في البطولة قبل عامين، ومن غير المرجح أن تنتهي هذه الرحلة في عام 2030، فالمغرب لديه خطط كبيرة لكرة القدم، ويبدو أنه في عجلة من أمره لتنفيذها.
ويحظى فوزي لقجع، رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم، بالكثير من الاحترام، فهو رجل تكنوقراطي وتم تعيينه دون أن يكون منتمياً إلى أي حزب أو حركة، وقد تولى هذه المسؤولية بعيداً عن عالم السياسة، ولدى لقجع القدرة على إحداث تأثير كبير على المشهدين الاقتصادي والسياسي في المغرب.
وفي النهاية، لا يمكن لأي دولة تغيير وضعها فيما يتعلق بمجال كرة القدم دون وجود إرادة سياسية لذلك.
وعلى الرغم من موقع المغرب الجغرافي، إذ يقع على أطراف القارة الإفريقية، فقد جعل نفسه مركزاً محورياً للقارة في مجال كرة القدم، وهو الموقع الذي تعزز بعد الإعلان مؤخراً عن أن الفيفا سيفتح أول مقر دائم له في إفريقيا في مراكش.
ولدى الفيفا أيضاً مكاتب إقليمية في السنغال ورواندا، ومن المتوقع أن تعمل مراكش مثل فروعه الأخرى في باريس ومدينة ميامي الأميركية، والتي باتت أكثر تأثيراً مؤخراً، وتتحكم في الخدمات التجارية والقانونية في جميع أنحاء أوروبا والأميركيتين.
وقبل حصوله على حقوق استضافة كأس العالم 2030، كان لدى المغرب خمس محاولات فاشلة لاستضافة البطولة، بدءاً من عام 1994، فصحيح أنه كان بلداً طموحاً على مر السنين، لكنه حتى وقت قريب، كان يكافح لإقناع جيرانه والدول الأخرى في القارة بإمكانياته.
وقد تغير نهج المغرب قبل عقد من الزمان، بعد أن اتخذ قراراً متأخراً بالانسحاب من استضافة بطولة كأس الأمم الأفريقية، التي كان من المقرر إقامتها في أوائل عام 2015، بسبب المخاوف من انتشار فيروس الإيبولا، وهو القرار الذي أغضب جيرانه الذين اتهموا البلاد بالاهتمام بالسياحة الأوروبية على حساب القارة الإفريقية.
ولم يكن للمغرب في ذلك الوقت عضو في اللجنة التنفيذية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF) للدفاع عن موقفه، مما جعل البلاد تخضع لغرامة قدرها 8 ملايين يورو من قبل الاتحاد الإفريقي، كما تم منع منتخبه الوطني من المشاركة في نسختي 2017 و2019 من كأس الأمم الأفريقية، اللتين أقيمتا في الغابون ومصر.
ولذا كان من الضروري إجراء تغيير في اتجاه البلاد، وقد أصبحت كرة القدم أولوية سياسية في المغرب بعد أن كان يُنظر إليها سابقاً على أنها مجرد جزء من صناعة الترفيه، وبات لقجع هو الرجل الذي يقود هذا التغيير.
وقد ساعد قرار لقجع إعادة تركيز المغرب على إفريقيا في تخفيف الحُكم باستبعاد البلاد من بطولتي كأس الأمم الإفريقية التاليتين، حيث تم السماح له بالمشاركة في عام 2017.
اهتمام المغرب بأدوار "جادَّة" في الاتحاد الإفريقي لكرة القدم
وفي غضون بضع سنوات، أنفق المغرب حوالي 80 مليون يورو على مشاريع البنية التحتية لكرة القدم، ورغم أن هذا الاستثمار زاد منذ ذلك الحين، إلا أنه بات هناك تحفظ بشأن الأرقام التي يتم الإفصاح عنها، وذلك نظراً لاحتمالية مواجهة رد فعل شعبي معارض، بالنظر إلى حاجة بعض القطاعات الأخرى إلى الاهتمام المالي من الدولة.
كما سنحت الفرصة للمغرب عندما تمت الإطاحة بشكل مفاجئ برئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، الكاميروني عيسى حياتو، بعد 29 عاماً من رئاسته للاتحاد، بعد سلسلة من التهم بالفساد والانتقادات بشأن صفقة حقوق البث التلفزيوني التي ضمنت مبلغاً ضخماً من المال للاتحاد.
وتم استبدال حياتو بشكل مفاجئ بأحمد أحمد، وهو وزير سابق من مدغشقر، ولكن في الواقع كان نواب حياتو يتمتعون بنفس القدر، إن لم يكن أكثر، من النفوذ، وما تلا ذلك كان أحد أكثر الفترات فوضوية في تاريخ الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، مع تسريب قصص كل شهر تقريباً عن مزاعم فساد داخله.
ومع اتضاح حقيقة أن أحمد لن يظل في منصبه لفترة طويلة، بدأ المغرب بهدوء في وضع نفسه كداعم رئيسي للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، وتضمن ذلك في البداية عرض استضافة سلسلة من الندوات التي نظمها الاتحاد، والتي يجتمع فيها الأعضاء لمناقشة الأفكار الجديدة، وتبع ذلك استضافة فعاليات أخرى، ولكن عندما حل باتريس موتسيبي محل أحمد في عام 2021 في أعقاب فضيحة الفساد التي تورط فيها الأخير، أصبح من الواضح جداً للدول الأخرى أن المغرب جاد بشأن دوره القاري، وكان هذا الأمر مهماً فيما يتعلق بالأصوات خلال انتخابات الاتحاد الإفريقي لكرة القدم وكذلك تصويتات الفيفا.
أكاديمية محمد السادس وتطوير المنشآت الرياضية
وفي عام 2022، أصبح المغرب أول بلد إفريقي أو عربي يصل إلى نصف نهائي كأس العالم، وقد تمت الإشادة بمنتخبه الوطني على نطاق واسع باعتباره واحداً من أعظم قصص النجاح في البطولة، حيث استحوذ على قلوب وعقول الجماهير خارج القارة الإفريقية، لكن هذا الإنجاز لم يحدث بالصدفة.
وفي حين أن جاذبية كرة القدم قد مكَّنت المغرب من التواصل مع بقية دول العالم، إلا أن مكانتها الجديدة لم تكن ممكنة إلا بفضل الاستثمارات الضخمة التي أجرتها في المنشآت الرياضية التي "لم يسبق رؤيتها في أوروبا أو حتى في الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة"، وفقاً لسيمون تشادويك، وهو خبير في الاقتصاد الرياضي.
وأحد أبرز المشاريع التي أجراها المغرب كان إقامة أكاديمية كرة القدم الحديثة التي تحمل اسم الملك محمد السادس، وبلغت تكلفتها 65 مليون دولار، إذ تغطي المنشأة، التي تقع خارج الرباط مباشرةً، مساحة 2.5 كيلومتر مربع، وتضم مدرسة ومركزاً طبياً وأربعة ملاعب، كلها مُصمَمة على شكل القرى المغربية التقليدية.
وبحلول عام 2017، تم بناء خمسة مراكز تدريب إقليمية أخرى في أجزاء مختلفة من البلاد، لكن الاتحاد المغربي لكرة القدم لم يكشف عن تكاليف أي من هذه المشاريع.
وبعد عام 2022، كان هناك اعتراف في المغرب بأن إنجاز منتخب البلاد الوطني في مونديال 2022، وتصدره المجموعة التي ضمت اثنين من الفرق الأربعة النهائية في كأس العالم 2018 في كرواتيا وبلجيكا، ثم الفوز على إسبانيا والبرتغال قبل خسارة نصف النهائي أمام فرنسا، حاملة اللقب وصاحبة المركز الثاني، لم يكن ليحدث دون الأداء الرائع لللاعبين من الجالية المغربية المقيمة في الخارج.
طموح مغربي لمضاهاة القوى الإقليمية في إعداد اللاعبين
وكان اللاعب الأكثر شهرة في هذه البطولة هو أشرف حكيمي، المولود في إسبانيا، والذي يلعب في نادي "باريس سان جيرمان"، إذ كان بمثابة "الصبي المدلل" في البطولة، لكن ما يقرب من 70% من اللاعبين في هذا الفريق كانوا قد وُلِدوا في أوروبا، أو يقيمون هناك، أو جمعوا بين الحالتين.
وصحيح أن عملية اكتشاف المواهب في المغرب قد تحسنت، كما تطورت أيضاً المنشآت التي يمكن استخدامها لتطوير المواهب المحلية، لكن العديد من هؤلاء اللاعبين، بالإضافة إلى مدرب المنتخب وليد الركراكي (الذي وُلِد في باريس، ولا يزال يعيش هناك)، كانوا في النهاية نتاجاً للنظام الأوروبي في كرة القدم.
وعلى الرغم من أن الأندية المغربية ليست تنافسية مثل تلك الموجودة في مصر من حيث مستويات الرواتب المُقدَمة للاعبين، فإن الأندية المغربية الكبرى، التي تتمتع ببنية تحتية عالية الجودة، بدأت في الحصول على المراكز الأولى في المسابقات القارية في أفريقيا، حيث فاز الوداد الرياضي ببطولة دوري أبطال إفريقيا في عامي 2017 و2022، وفاز منافسه التقليدي في المدينة "الرجاء" بكأس الكونفدرالية الإفريقية في عامي 2018 و2021 (النسخة الإفريقية من الدوري الأوروبي).
ويطمح المغرب إلى تنشئة وتكوين لاعبي كرة قدم خاصين به، ودفع رواتب جيدة لهم بما يكفي للعب في الأندية المحلية، كما يفعل العديد من نجوم مصر البارزين، بدلاً من الانتقال إلى الخارج.
فمن بين أسرع 16 اقتصاداً نمواً في عام 2024، هناك 16 اقتصاداً إفريقياً، ومع موقع المغرب الاستراتيجي عند مصب البحر الأبيض المتوسط، فإنه في وضع مناسب ليصبح قوة إقليمية مشابهة لمصر التي تمتلك قناة السويس.
ويقول تشادويك إنه في حين أن المغرب ليس بلداً غنياً بشكل خاص، إلا أنه يتمتع بالجغرافيا والموارد التي تمكنه من تعزيز قوته الاقتصادية والسياسية، ويرجع هذا بشكل أساسي إلى أن 70% من احتياطيات الفوسفات المعروفة في العالم (المُستخدَمة في كل شيء من الأغذية إلى مستحضرات التجميل إلى الإلكترونيات) موجودة في البلاد، ويتم إدارة الكثير منها من قبل مجموعة "OCP"، المملوكة للدولة، والتي تعد أكبر جهة توظيف في البلاد.
وفي الصيف الماضي، وقَّع المغرب اتفاقية مع الاتحاد المغربي لكرة القدم وشركاء من القطاع الخاص لإنشاء "صندوق تدريب وطني مُخصَص لإضفاء الاحترافية على مراكز التدريب وتعزيز المواهب الشابة"، وفقاً لبيان صحفي صادر عن "OCP" والحكومة المغربية.
وبصفته أحد الدول المستضيفة لمونديال 2030، فإنه سيتعين على المغرب إنفاق أقل مما قد ينفقه في حال قام بتنظيم كأس العالم بمفرده، ومع ذلك فإنه من المتوقع أن يحصل على نفس الفوائد، إذ أنه عندما أُقيمت البطولة آخر مرة في القارة الأفريقية، اضطرت جنوب إفريقيا إلى بناء ملاعب جديدة وإعادة استخدام الملاعب الموجودة بتكاليف باهظة، وقد باتت بعض هذه الملاعب مهجورة الآن بعد 14 عاماً، لكن المغرب يثق في أنه لن يواجه نفس المشكلة بفضل التقدم الذي تم إحرازه على مدى العقد الماضي، بالإضافة إلى شعبية اللعبة في البلاد، إذ أنه حين تواجه كرة القدم منافسة في جنوب إفريقيا من لعبتي الرجبي والكريكيت، فإنها تعد اللعبة الأكثر شعبية في المغرب.
ويسرع المغرب الآن من خططه الإنشائية، والتي يعد أبرزها ملعب "الحسن الثاني الكبير"، حتى أنه خلال حفل توزيع جوائز الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، الذي أُقيم في مراكش، كان جميع المسؤولين في الاتحاد، بالإضافة إلى الصحفيين، مقتنعين بأن هذا الملعب سيستضيف نهائي كأس العالم 2030، متفوقاً على اثنين من أكبر الملاعب الإسبانية، وهما "سانتياغو برنابيو" في مدريد، و"كامب نو" في برشلونة.
وعلى الرغم من أنه من الواضح أن المغرب استخدم كرة القدم لكسب الأصدقاء والتأثير في الناس، فإن هناك جانباً عملياً في استراتيجيته، إذ يُريد أن يُظهِر لبقية دول العالم ما يمكنه أن يفعله بشكل حقيقي.
* هذه المادة مترجمة من طرف SRMG