ربما لم يغب عن انتباهك أن فريق ريال مدريد يبدو قوياً إلى حد ما. فمنظومة كارلو أنشيلوتي التي تبدو جديدة تضم كيليان مبابي ومعه فينيسيوس جونيور ورودريغو في الهجوم، وخلفهم جود بيلينغهام وفيديريكو فالفيردي وأوريلين تشواميني في خط الوسط.
وربما أظهر التعادل 1-1 يوم الأحد مع مايوركا بعض المشاكل المبكرة في المباراة الافتتاحية بالدوري الأسباني، لكن السؤال حول أفضل طريقة للعب بمثل هذه التشكيلة المرصعة بالنجوم يبدو وكأنه "إحدى تلك المشاكل الجيدة التي يجب أن تواجهها". وإذا فشل كل شيء آخر، فهناك مواهب مثيرة على مقاعد البدلاء، مثل إندريك وأردا غولر وبراهيم دياز.
وتثير القوة الهجومية لريال مدريد الإعجاب بدرجة كبيرة، وكذلك التخطيط والاستراتيجية التي تكمن وراءها. ويبقى الأمر أكثر إثارة للدهشة عندما تفكر في مكانة ريال مدريد في سوق الانتقالات، إذ أنه ليس بحال أكبر المنفقين في صناعة كرة القدم.
يرصد موقع "The Athletic" العوامل الرئيسية وراء تجميع أحدث تشكيلة نجوم للفريق الإسباني العريق.
الخطة
في صيف عام 2009، عاد فلورنتينو بيريز كرئيس لنادي ريال مدريد للمرة الثانية، متطلعاً إلى إعادة النادي إلى ما اعتبره "الذروة التي وصل إليها في بداية القرن"، تحت قيادته السابقة.
وللقيام بهذه المهمة، وافق بيريز على إنفاق 250 مليون يورو (213 مليون جنيه إسترليني، أو 278 مليون دولار، بأسعار اليوم) على تعاقدات على غرار كريستيانو رونالدو وكاكا وكريم بنزيما وتشابي ألونسو.
وإذا نظرنا إلى الوراء، ربما كان ذلك الصيف هو ذروة عصر الغلاكتيكوس المدريدي، حيث يرتبط هذا اللفظ بلاعبين من قبيل لويس فيغو، أو زين الدين زيدان، أو رونالدو نازاريو (الظاهرة)، أو ديفيد بيكهام، إلا أن هؤلاء اللاعبين جاءوا على مدى 4 سنوات متتالية، وبهذا الترتيب، بين عامي 2000 و2003، خلال فترة ولاية بيريز الأولى.
وفي المواسم التي أعقبت هذا الإنفاق الضخم في عام 2009، أنفق ريال مدريد مرة واحدة فقط إجمالياً أكبر، وهو 361 مليون يورو في موسم 2019-2020، بعد انتهاء الموسم الأول الذي أعقب خروج كريستيانو رونالدو في عام 2018 دون الفوز بأي ألقاب.
ومرة أخرى، قد يعطي ذلك انطباعاً بأن ريال مدريد ينفق بغير حساب، إلا أنه منذ عام 2009، بلغ متوسط صافي إنفاق النادي على الانتقالات، مع الأخذ في الاعتبار المبيعات والتعاقدات، 39.1 مليون يورو فقط في الموسم، وفقا لموقع "The Athletic".
وفي هذه الأثناء، بدأت تتشكل استراتيجية جديدة، طورها بيريز والمدير العام لريال مدريد خوسيه أنخيل سانشيز، متأثرة بشدة بعاملين رئيسيين، هما ظهور منافسين أوروبيين أقوياء، مثل مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان، والثروات التي حلت بالأندية الإنجليزية بسبب النجاح المالي الهائل الذي حققه الدوري الإنجليزي الممتاز. وتفسر هذه العوامل أيضاً دعم ريال مدريد لمشروع دوري السوبر الأوروبي.
وكان على مدريد أن يعتاد على الوضع الجديد كعضو أقل هيمنة في سوق الانتقالات. وفي مواجهة الصعوبات المتزايدة للتعاقد مع أكبر نجوم اللعبة، غالباً كل صيف، تحول النادي إلى التعاقد مع المواهب الشابة، قبل خطوة أو خطوتين من تطورهم، لإنهاء صقلهم في إسبانيا.
وتم التوقيع مع العديد من أعضاء فريق مدريد بهذه الطريقة، من أمثال فيديريكو فالفيردي (5 مليون يورو في عام 2015)، وفينيسيوس جونيور (40 مليون يورو في عام 2017)، ورودريغو (45 مليون يورو في عام 2018)، وأندري لونين (8.5 مليون يورو إلى جانب زيادات في عام 2018)، وبراهيم دياز (15 مليون يورو إلى جانب زيادات في عام 2019)، وإيدير ميليتاو (50 مليون يورو في عام 2019)، وإدواردو كامافينغا (31 مليون يورو إلى جانب زيادات في عام 2021)، وإندريك (35 مليون يورو إلى جانب 25 مليون يورو كإضافات في عام 2022)، وغولر (20 مليون يورو إلى جانب زيادات في عام 2023).
وبدأ ريال مدريد أيضاً العمل باهتمام أكبر في البحث عن ما يسمى بـ"فرص السوق"، حيث يمكن التوقيع مع بعض اللاعبين مقابل رسوم مخفضة مع قرب انتهاء عقودهم، أو بالمجان في حال انتهاء عقودهم.
ويمكن رؤية ذلك أيضاً في الفريق الحالي. فقد وصلت قيمة تيبو كورتوا إلى 35 مليون يورو في عام 2018، فيما جاء دافيد ألابا وأنطونيو روديغر ومبابي كلاعبين بالمجان في أعوام 2021 و2022 و2024، بعدما لم يجددوا مع أنديتهم، وهي بايرن ميونيخ وتشيلسي وباريس سان جيرمان على التوالي، حيث حصل كل لاعب على أموال مقابل التوقيع، وفي حالة مبابي، كان مبلغاً مالياً هائلاً.
الكشافة
يُعد جوني كالافات، الذي وصل إلى ريال مدريد في عام 2013، وهو الآن رئيس فريق الكشافة، شخصية محورية في هذا الفصل، إذ ساعدت مجموعة مهاراته وخلفيته ونهجه في العمل ريال مدريد على تحقيق ما أراده.
ويوصف كالافات، الذي ولد في إسبانيا لكنه قضى معظم طفولته في ساو باولو، بأنه "مهووس بكرة القدم" من قبل هؤلاء الذين يعملون معه ويعرفونه معرفة تامة. ويرأس كالافات شبكة واسعة من الكشافين في جميع أنحاء العالم.
وأكتسب كالافات بفضل معرفته بكرة القدم في أميركا الجنوبية على وجه الخصوص العديد من المعجبين، ما أكسبه في النهاية منصباً في مدريد ككشاف، وكان كارلوس كاسيميرو ضمن أول توصياته.
ويساعد كالافات معاونوه في مشاهدة المباراة في كل ركن من أركان العالم ومن ثم التدقيق في التقارير التفصيلية.
وعندما ينظر إلى لاعب على أنه "موهبة جيله"، كما يتم وصفه غالباً داخل النادي، يمرر كالافات التقرير إلى جهات أعلى، وخاصة خوسيه أنخيل سانشيز. وفي هذه المرحلة، يكون اللاعب قد خضع للرؤية الشخصية، وعادة ما تسمى التقارير "FICHAR" (للتوقيع).
يحدث هذا أيضاً عندما يبدأ كالافات في التقرب من اللاعب وبيئته، سواء الاحترافية (وكيل اللاعب)، أو الشخصية (الأسرة والأصدقاء). ويساعد ما يكتشفه كالافات في تكوين انطباع مدريد عن شخصية اللاعب وطريقة عمله.
ويعتبر العديد من اللاعبين وأفراد الأسرة والوكلاء هذا البُعد عنصراً مميزاً، حيث يعرف كالافات أيضاً كيف يكسب القلوب والعقول، مع فكرة إبقاء مدريد متقدماً بخطوة على منافسيه.
واكتسب فريق كالافات الكثير من المكانة إلى حد أنه في السنوات الأخيرة تعرض بعض الأعضاء لمغازلة الأندية المنافسة، كما هو الحال عندما انضم غونزالو نوفيلو إلى ريال بيتيس وباولو كزافييه إلى أرسنال في عام 2023.
وتلقى كالافات نفسه استفسارات واهتماماً من قبل أندية مختلفة في الدوري الإنجليزي الممتاز للعمل معها.
ولدى دخوله في منافسة مع نظراء أكثر قوة من الناحية الاقتصادية في عروض العقود المرسلة للاعبين، فإن ريال مدريد يتمتع بنقطة قوة رئيسية أخرى تتمثل في عروضه لخططه لتحقيق أهداف معينة، إذ يوضح مسؤولو النادي المشروع الرياضي التفصيلي المصمم لهؤلاء اللاعبين، مع إعطاء أمثلة للاعبين آخرين قالوا نعم وانتهى بهم المطاف بالانتقال إلى مستوى أعلى، كما يوضحون سبب عدم قدرتهم على الدخول في مزايدات مع الأندية الأخرى، خاصة من الدوري الإنجليزي الممتاز.
الإدارة
ربما لاحظت غياب اسم واحد مهم هنا، وهو كارلو أنشيلوتي. في الحقيقة، لقد مر وقت طويل منذ أن كان لأي مدرب في مدريد سلطة اتخاذ القرار بشأن سياسة الانتقالات. ولكن في حالة أنشيلوتي، فإنه يتم استشارته وإبلاغه بجميع الإجراءات، ولكن لا شيء آخر.
ففي صيف عام 2023، عندما غادر كريم بنزيما إلى نادي الاتحاد السعودي، طلب أنشيلوتي التوقيع مع هاري كين كبديل، لكن النادي بالكاد تحرك نحو المهاجم الإنجليزي.
وفي يناير 2024، في مواجهة موجة الإصابات التي ضربت الدفاع المدريدي، طلب أنشيلوتي الحصول على قلب دفاع، لكن ذلك لم يحدث أيضاً. وعلى الرغم من رحيل ناتشو والفشل في التوقيع مع ليني يورو، يبدو أن الأمر سيتكرر هذا الصيف.
من الواضح في ريال مدريد أن المدربين يرحلون لكن المشروع والإدارة التي تنفذه يبقيان. وما حدث مع كيبا أريزابالاغا في عام 2018 كان ملهماً في هذا الصدد.
لقد قطع ريال مدريد خطوات كبيرة في محاولة التعاقد معه من أتلتيك بلباو في يناير 2018، ولكن المدير الفني آنذاك، زيدان، رفض الأمر لأنه كان يثق بكيلور نافاس وأراد الاحتفاظ بابنه، حارس مرمى الأكاديمية لوكا زيدان، في الفريق.
وعندما انتهى الموسم، غادر زيدان وشعر مجلس الإدارة أنهم أضاعوا فرصة كبيرة للتعاقد مع أريزابالاغا، الذي انتهى به الأمر في تشيلسي في الصيف.
وعلى أية حال، فإن أنشيلوتي يدرك أن لديه فريق قادر على صنع التاريخ. وقد طُلب منه، بعد فوزه بكأس السوبر الأوروبي الأسبوع الماضي، مقارنة ما لديه الآن وما كان لديه في عام 2014 عندما فاز باللقب العاشر بدوري أبطال أوروبا وكأس الملك.
ما هي الخطوة التالية؟
على المستوى الاقتصادي، يمثل ريال مدريد نموذجاً للإدارة الجيدة. وينعكس ذلك في حساباتهم، التي لا تظهر أي خسائر على الرغم من جائحة كوفيد-19، وارتفاع تكلفة أعمال إعادة إعمار سانتياغو برنابيو.
وحتى خافيير تيباس، رئيس رابطة الدوري الأسباني والشخصية التي يعتبرها المدريديون عدواً، يأتي مكملاً لهذه اللوحة.
وعلى المستوى الرياضي، فإن الفوز بـ29 لقباً منذ عام 2010، بما في ذلك 6 ألقاب في دوري أبطال أوروبا ولقب الدوري الإسباني 5 مرات، فإن سجل مدريد يثير الإعجاب بلا شك أيضاً.
ومع أخذ هذين العاملين في الاعتبار، فإن الخطة في البرنابيو هي مواصلة القيام بما كانوا يقومون به، مع البقاء دائماً في حالة انتباه للسيناريوهات والتغيرات الجديدة المحتملة في صناعة كرة القدم.