عندما يمرّ فريق بفترة حرجة يلجأ إلى أهم لاعبيه لقيادة عملية تصحيح الأمور. بالنسبة إلى ليفربول، على مدى المواسم القليلة السابقة، كان هذا اللاعب دائماً هو محمد صلاح، مصدر الومضات الملهمة التي لا حصر لها، منذ انضمامه للنادي الإنجليزي صيف 2017.
ولكن مؤخراً، ثبُت أن هذه اللحظات بعيدة المنال. ففي ذهاب ربع نهائي الدوري الأوروبي على أرض ليفربول أمام أتالانتا في 11 أبريل، أخطأ صلاح في تقدير سرعته، ما تسبّب في إلغاء هدف بداعي التسلّل، كان سيقلّص فارق الهزيمة بنتيجة 2-0.
وبعد 3 أيام، أُتيحت لصلاح الفرصة لإنقاذ نقطة لليفربول على أرضه أمام كريستال بالاس، ولكن تيريك ميتشل تمكّن من التصدي لتسديدته التي كانت من مسافة قريبة.
وأخيراً، بعد تسجيله ضربة جزاء مبكّرة أشعلت فتيل أمل لليفربول في مباراة الإياب أمام أتالانتا، أضاع صلاح فرصة ذهبية في نهاية الشوط الأول.
وربما الأهم من ذلك كلّه، أن المدرب يورغن كلوب أبقى النجم المصري خارج التشكيلة الأساسية أمام فولهام الأحد الماضي، وكرّر ذلك أمام وست هام يونايتد الجمعة، مع حاجة ليفربول لإعادة موسمه إلى المسار الصحيح في الدوري الإنجليزي الممتاز.
عامل الإصابة
بات السؤال الآن واضحاً تماماً: لماذا لا تسير الأمور كما يشتهي صلاح؟
إذا كانت هناك أسباب، فإن حقيقة ظهور صلاح بوصفه "إنساناً" في الأسابيع الأخيرة تمثل مجاملة للاعب لا يزال يتصدّر قائمة هدافي ليفربول في كل المسابقات هذا الموسم، برصيد 23 هدفاً و12 تمريرة حاسمة.
هناك ظروف يمكن أن تساعد في تفسير أسباب إثارة هذا النقاش بشأن مستوى صلاح، كما أفاد موقع "ذا أتلتيك".
من بين أشياء أخرى، فإن صلاح ضحية للمعايير العبثية التي وضعها اللاعب لنفسه خلال أول 6 مواسم له في "أنفيلد". كما أنه لم يعتد اللعب بعد فترة غياب طويلة بسبب الإصابة، إذ لم يتعرّض لذلك كثيراً على مدى مسيرته.
كأس الأمم الإفريقية
مشاركة صلاح بنسبة 73% من إجمالي الدقائق التي كانت مُتاحة له هذا الموسم، هي "الأقلّ على الإطلاق" منذ انتقاله من روما.
وتعرّض النجم المصري لإصابة في عضلات الفخذ الخلفية، خلال مشاركة مصر المخيّبة في كأس الأمم الإفريقية، إذ لم يشارك سوى في مباراة منتخب بلاده الافتتاحية في البطولة، ليخرج المنتخب المصري من دونه في ثمن النهائي، بعدما حالفه الحظ بالتأهل من دور المجموعات.
وليس مستغرباً أن يميل مستوى صلاح إلى التأثر بنتائجه في كأس الأمم الإفريقية. ففي عام 2021 خسرت مصر بركلات الترجيح في النهائي أمام السنغال بقيادة ساديو ماني، زميله في ليفربول آنذاك.
ولدى عودة اللاعبَين إلى "أنفيلد"، كان مستوى ماني ممتازاً، فيما سجل صلاح 8 أهداف فقط في مبارياته الـ25 التالية، وهذا رقم متدن مقارنة بمستواه.
وخلال الموسم الحالي، لم يستعد صلاح مستواه حتى 17 فبراير، في مباراة فريقه ضد برينتفورد، إذ قدّم مستوى استثنائياً انتهى بفوز فريقه 4-1، مسجلاً هدفاً كما صنع آخر، ولكن تكرار الإصابة أبعده حتى منتصف مارس.
ومنذ ذلك الحين، سجل صلاح 5 أهداف فقط في 11 مباراة. ورغم أن ذلك لا يُعتبر أزمة في ذاته، إلا أنه يشكّل تراجعاً واضحاً في أرقام النجم المصري.
نهاية الأرقام الخارقة
ونظراً إلى إنتاجه الهجومي في كل موسم منذ انضمامه إلى ليفربول، فإن أهداف صلاح المتوقعة لكل 90 دقيقة هذا الموسم هي الأعلى إطلاقاً في الدوري الإنجليزي الممتاز.
ويشير معدل صلاح، البالغ 0.77 هدفاً متوقعاً في كل 90 دقيقة، إلى إمكانية أن يسجل نحو 3 أهداف في كل 4 مباريات، رغم أن ركلات الجزاء السبع التي نفذها، وهو أكبر رقم له في موسم واحد بالدوري الإنجليزي، قد تضخّم هذه الأرقام قليلاً.
ورغم تألّقه، لم يكن صلاح أبداً اللاعب الأكثر قدرة على تحويل الفرص إلى أهداف. فقط 4 لاعبين في الدوري الإنجليزي يسددون في المتوسط هذا الموسم، أكثر من رقم صلاح البالغ 3.6 في كل 90 دقيقة.
إذا استندنا إلى الأهداف من دون ركلات الجزاء والأهداف المتوقعة في متوسط 900 دقيقة، شهد أداء صلاح تحسّناً خلال مرحلة متأخرة من الدوري الموسم الماضي.
وفي موسمي 2018-2019 و2021-2022 تحقق ذلك في وسط الموسم. وفي موسم 2017-2018 كان المعدل التهديفي لصلاح أعلى من المتوقع على مدى الموسم بأكمله.
وبالمقارنة، فإن أرقامه في موسم 2023-2024 لم تشهد ارتفاعاً كبيراً.
ما هي الخلاصة؟ ببساطة أن الأرقام الخارقة لصلاح لا يمكن أن تستمر إلى الأبد.
شراكة مع ألكسندر أرنولد
"ذا أتلتيك" اعتبر أن النجم المصري قد يعاني "من حالة نقص نادرة في ثقته بنفسه".
وبعد مباراة الإياب ضد أتالانتا، قال كلوب: "لست قلقاً بشكل خاص. هذا ما يحدث مع المهاجمين. لا بدّ أن نمر بهذه الحالة، ولا بدّ أن يمر (صلاح) بهذه الحالة، فهو الأكثر خبرة إطلاقاً".
وتابع: "ليس معنى ذلك أن مو (صلاح) لم يهدر فرصاً سابقاً في حياته. هذا جزء من اللعبة. كانت ضربة الجزاء مقنعة جداً، ثم الفرصة التالية، بوضوح لم يكن هناك حظ، ولكنها ليست المرة الأولى التي يهدر فيها فرصة من هذا القبيل. لن أختلق قصة كبيرة من ذلك".
أحد الأسباب التي تجعل كلوب أكثر تفاؤلاً بشأن مستوى صلاح، هي أن دوره يتجاوز بكثير مجرد تسجيل الأهداف، إذ أصبح أكثر ابتكاراً في الجزء الهجومي من الملعب هذا الموسم، ولأسباب متعددة.
فمع تحوّل الظهير الأيمن ترينت ألكسندر أرنولد إلى وسط الملعب، وافتقار جو غوميز إلى القدرات الهجومية للأخير، واستمرار كونور برادلي في ترسيخ نفسه، شهد الجناح الأيمن لليفربول تحمّل صلاح مسؤولية أكبر لتمرير الكرة للاعبين الذين يلعبون أمامه، وتحديداً داروين نونيز الذي صنع له صلاح 21 فرصة في كل المسابقات، بما يفوق بهامش كبير أي لاعب آخر.
ومع الأخذ في الاعتبار غياب ألكسندر أرنولد للإصابة، فليس هناك لاعب في ليفربول هذا الموسم تفوّق على صلاح في صنع الفرص بالمسابقات الأربع التي خاضها.
ويُعدّ معدل تمريراته الحاسمة المتوقعة في الدوري الإنجليزي، وبلغت 0.4 في كل 90 دقيقة، الأفضل بالنسبة إليه كلاعب في ليفربول.
الرابط بين صلاح وألكسندر أرنولد على الجهة اليمنى كان حاسماً في نجاح ليفربول، ولكنهما لم يبدآ مباراة معاً في التشكيلة الأساسية سوى مرتين عام 2024.
تراجع معدل المراوغات
ليس معنى ذلك أن صلاح لن يكون فعالاً من دون ألكسندر أرنولد، إذ كان ثلاثي الجناح الأيمن في ليفربول، صلاح وبرادلي وأليكسيس ماك أليستر، ممتازاً أمام برايتون. وسدد صلاح 12 مرة في ذاك اليوم، وبرغم تسجيله هدف الفوز، إلا أنه أضاع فرصاً كثيرة في محاولته لاستعادة مستواه. ولكن ذلك لم يحدث كثيراً هذا الموسم.
وبعيداً عن الأرقام، ثمة أسباب مبرَّرة لمناقشة التعثر النسبي لصلاح.
أحياناً يكون صعباً تحديد ذلك، ولكن مستواه العام متراجع كما أن قدرته على اتخاذ القرارات لم تعد بقوتها المعتادة، بحسب "ذا أتلتيك".
وأضاف أن صلاح كان لاعباً ديناميكياً ومراوغاً ماهراً، وقادراً على التفوّق على عدة منافسين في كرة واحدة. ولكن هذا الموسم تراجع هذا الجانب لديه، فمعدل مراوغاته الذي يبلغ 2.9 في 90 دقيقة، أقلّ من الموسمين السابقين، وعلى نحو لافت هذا هو الموسم الأول الذي يلعب فيه من دون ماني وروبرتو فيرمينو في خط الهجوم.
فعالية صلاح
ثمة عوامل وراء ذلك، إذ أن عودة المثلث الأيمن لليفربول دفعت صلاح إلى مناطق أكثر كثافة عددياً في وسط الملعب.
وبعدما حقق نجاحاً بنسبة 63% في المراوغات بموسم 2017-2018، الذي كان أول مواسمه مع ليفربول، بلغت هذه النسبة 34% هذا الموسم.
ويُرجّح أن تكون الإصابة بالعضلة الخلفية التي تعرّض لها في يناير، أثرت في أسلوب لعبه.
وعلى النقيض، بات لويس دياز ملك المراوغات في ليفربول من الجهة اليسرى. أضِف إلى ذلك سرعة نونيز وكودي غاكبو وديوغو جوتا، ويصبح الفريق أقلّ حاجة لأن يتحمّل صلاح مسؤولية قيادة الفريق إلى الثلث الأخير للملعب، بسرعته ودهائه.
أسلوب لعب النجم المصري يستند إلى الفعالية، كما أن الصيت الذي صنعه طيلة سنوات يعني أننا نتوقع منه أن يحقق أرقاماً مرتفعة جداً في الأهداف والتمريرات الحاسمة. وعندما يعاني أداء الفريق في هذا الوقت الحرج من الموسم، فإن ردّ الفعل الطبيعي هو البحث عن اللاعب الذي أنقذ الفريق مرات سابقاً، أي صلاح.