
قبل انطلاق موسم 2008-2009 عقد توني بوليس المدير الفني لفريق ستوك سيتي اجتماعاً مع مسؤولي النادي، طالبهم خلاله بتضييق مساحة الملعب قدر الإمكان، لتناسب الحد الأدنى الذي تنص عليه لوائح الدوري الإنجليزي الممتاز. كل فريقٍ كان يستعد للموسم الجديد بطريقته الخاصة، وكان بوليس الذي صعد حديثاً للبريميرليغ يمتلك سلاحاً فريداً من نوعه.
اعتمد ستوك سيتي على رميات التماس كسلاح جديد غير مألوف في عالم الكرة. ووراء هذا السلاح كان يقف الأيرلندي روري ديلاب الذي بدأ مسيرته الرياضي كرامٍ للرمح.
بداية غير مألوفة
في إحدى الحصص التدريبية، كان لاعبو ستوك سيتي يخوضون مواجهة على مساحة صغيرة من الملعب. ذهب ديلاب لاعب الوسط المدافع لتنفيذ رمية تماس وكان الأمر مفاجئاً للجميع، قطعت الكرة مسافة طويلة وبسرعة كبيرة.
في اليوم التالي، طالب توني بوليس المدير الفني للفريق ديلاب بتكرار الأمر. وضع المدرب الكرات بجوار خط التماس وبينما كان ديلاب يقذفها نحو منطقة الجزاء كان المدرب يوجه تعليمات للاعبيه بالتمركز بشكل صحيح داخل المنطقة.
كان ذلك في موسم 2007-2008 الذي توج خلاله ستوك سيتي بدوري الدرجة الأولى ليصعد إلى البريميرليغ، وسط توقعات كبيرة بألا يصمد الفريق كثيراً في الدوري الممتاز.
وعلق على ذلك ليام لاورنس، لاعب ستوك سيتي وقتها، قائلاً: "قبل انطلاق الموسم، كانوا يقولون إن طريقتنا لن تنجح في البريميرليغ. كنا مجموعة مترابطة من اللاعبين نمتلك شخصية قوية ورغبة في القتال للبقاء بين الكبار. اعتمدنا على نقاط قوتنا الرئيسية وتمثلت في الركلات الثاتبة ورميات التماس التي ينفذها روري ديلاب".
رميات صاروخية
يضيف لاورنس: "كان الأمر جنونياً. رمياته كانت مستقيمة وحادة وعلى ارتفاع منخفض. تصل إلى أبعد نقطة ممكنة، وإذا لم ينجح أحد لاعبينا في الاستفادة منها فإنها تُربك دفاعات المنافسين".
بعدما طالب توني بوليس المسؤولين بتضييق الملعب، أصبح معتاداً أن تصل رميات ديلاب إلى منطقة جزاء المنافسين بسهولة. في الأشهر الأولى من موسم 2008-2009 هز ستوك سيتي شباك 5 فرق: أستون فيلا وإيفرتون وسندرلاند وأرسنال وبورتسموث بفضل رميات التماس التي كان ينفذها اللاعب الأيرلندي، ومع نهاية الموسم سجل الفريق 38 هدفاً، جاء ربع هذا العدد عن طريق رميات تماس ديلاب، الأمر الذي ساعد ستوك على احتلال المركز الثاني عشر في نهاية الموسم والبقاء مع الكبار.
يقول لاورنس: "كنا نواظب عليها في التدريبات وكأنها عبادة" ويضيف: "كنا نتدرب عليها كل يوم. نقضي الساعات في تنفيذ رميات التماس وكذلك الركنيات والمخالفات القريبة من منطقة الجزاء. كل لاعب يعلم مهامه جيداً. يعلم هل يتحرك نحو القائم القريب أم البعيد، وكيف يخدع المدافعين". ويتابع لاعب ستوك السابق: "مثلاً إذا انطلق ريان شوكروس إلى القائم القريب فيجب على أحدنا أن يتدخل لمضايقة اللاعب المكلف بمراقبته. وهكذا تكون الفرصة متاحة أمام شوكروس للاستفادة من الرمية".
وبلغ متوسط المسافة التي تقطعها رميات تماس اللاعب الأيرلندي 38 متراً، وبلغت سرعتها القصوى نحو 60 كيلومتراً في الساعة الواحدة.
قبيح لكنّه فعّال
شهدت كرة القدم في تلك الفترة تغييراً في كثير من الأفكار وطرق اللعب، فبات كثير من الفرق يعتمد بشكل أساسي على الاستحواذ على الكرة وتناقلها بأقصى سرعة ممكنة كما الحال في برشلونة الإسباني منذ تولى بيب غوارديولا منصب المدير الفني عام 2008. وكان الحال مشابهاً في إنجلترا خاصة رباعي المقدمة، مانشستر يونايتد وأرسنال وتشيلسي وليفربول.
في ستوك كان الأمر مختلفاً، فالفريق يعتمد على القوة والاندفاع البدني. وتستند أفكاره الهجومية إلى الضربات الثابتة بشكل أساسي، لذلك كان سلاح ديلاب ملائماً لفلفسة النادي الإنجليزي الذي لم تحظَ طريقة لعبه بشعبية تذكر. كان ستوك فريقاً مخيفاً يُرهِب المنافسين، ويقدم كرة قدم تخلو إلى حد كبير من الجماليات.
استغل توني بوليس الانتقادات الموجهة للفريق لشحذ همم لاعبيه. يقول لاورنس: "بوليس كان يقوم بقراءة الصحف ثم يقصُ الأجزاء التي تنتقدنا ويعلّقها على لوحة داخل غرفة الملابس، هذا الأمر كان يستفزنا ويدفعنا لتحقيق الانتصارات".
كانت لحظة حصول ستوك سيتي على رمية تماس قريبة من منطقة الجزاء تثير الرعب في المنافسين. يركض كل لاعبي الفريق إلى منطقة الجزاء في محاولة لمنع الهدف المحتمل. وكان توني بوليس ماهراً في استخدام هذا السلاح. في فترات كثيرة كان الأمر معنوياً في المقام الأول، فمع حرص المنافسين على الحد من خطورة رميات تماس ديلاب كان اهتمامهم بالنواحي الهجومية يتراجع إلى حد كبير.
في أحيان كثيرة كان ستوك يحصل على رميات تماس لأغراض أخرى غير تسجيل الأهداف وهز الشباك، مثل تغيير إيقاع اللعب وتشتيت انتباه المنافس وإجباره على التراجع إلى منتصف ملعبه، وفي أحيانٍ أخرى كان الأمر لا يتعدى رغبة ستوك سيتي في تضييع الوقت حيث كان ديلاب يجفف الكرة قبل تنفيذ رمية التماس باستخدام منشفة يحملها صبية الملاعب.
طوّرت فرق الدوري الإنجليزي أساليبها للتصدى لرميات ديلاب. هناك فرق كانت تملأ منطقة الـ6 ياردات بالمدافعين لإبعاد الكرة وحرمان لاعبي ستوك من التواجد بالقرب من المرمى، وهناك فرق أخرى كانت تترك مساحة كبيرة أمام الحارس تسمح له بالتقدم وإبعاد الكرة بقبضته. ولجأت فرق أخرى إلى حيلة خبيثة، إذ كانت تضع لوحات الإعلانات قريبة جداً من خط التماس حتى لا يجد ديلاب مسافة كافية للركض قبل رمي الكرة.
آرسين فينغر المدير الفني لأرسنال كان من أكثر المعترضين على طريقة تنفيذ ديلاب لرميات التماس. فاز ستوك سيتي على المدفعجية (2-1) في نوفمبر 2008. وجاء هدفا ستوك عبر رميات تماس نفذها ديلاب.
عقب المباراة قال فينغر إن هذه الرميات "ميزة غير عادلة" وطالب بتعديل لوائح اللعبة بحيث تنص على عدم السماح للاعب باستخدام منشفة لتجفيف الكرة قبل تنفيذ الرمية.
في الموسم التالي 2009-2010 واصلت فرق الدوري الإنجليزي سعيها لإيقاف خطورة ديلاب. وأسفر الأمر عن تراجع عدد الأهداف التي سجلها ستوك سيتي اعتماداً على رميات تماس من 9 إلى 5 أهداف، وفي الموسم التالي تراجع العدد إلى 4 أهداف فقط.
نقطة القوة
قبل ديلاب، امتلك بعض اللاعبين قدرات مميزة في رميات التماس. وكان بإمكانهم رمي الكرة لمسافات طويلة وتهديد مرمى المنافسين ولكن اللاعب الأيرلندي السابق كان يلجأ إلى أسلوب مختلف في رمي الكرة وهو ما منحه الأفضلية عنهم.
يقول توني بوليس معلّقاً على طريقة ديلاب: "الأمر لا يتعلق فقط بالقوة والسرعة لكن أيضاً بالارتفاع. حين يقذف روري الكرة فإنها لا تعلق في الهواء، لذا يكون الأمر صعباً على المدافعين".
ويشرح توماس جرونمارك اختصاصي رميات التماس في الجهاز الفني لليفربول: "الأمر لا يتعلق فقط بالمسافة، هناك لاعبون يقذفون الكرة لمسافة طويلة جداً لكنها لا تمثل أي خطورة لأن رمياتهم ترتفع عالياً وتصل سهلة إلى المدافعين. ديلاب كان يمتلك جودة عالية حيث ينفذ رمية التماس بمواصفات خاصة من حيث السرعة والدقة والارتفاع أيضاً".
استمر ديلاب مع ستوك سيتي حتى 2013 قبل أن يرحل عن صفوفه. وعاد إليه كمساعد للمدرب عام 2018 وتولى قيادة الفريق في نوفمبر الماضي بشكل مؤقت ضمن منافسات الدرجة الأولى قبل تعيين ميشيل أونيل.
لاحقاً وعقب اعتزال اللاعب، طوّر العديد من فرق العالم طريقة تنفيذ رميات التماس لتحقيق أقصى استفادة هجومية ممكنة منها. وباتت الأجهزة الفنية تضم في بعض الأحيان مدرباً مختصاً بتنفيذ رميات التماس.




