
شكّلت مشاركة زائير في كأس العالم لكرة القدم بألمانيا الغربية عام 1974، حدثاً تداخل مع سوء فهم للمسار الذي سلكه المنتخب وأسفر عن خروجه من الدور الأول بشكل مهين.
زائير كانت آنذاك تحت حكم موبوتو سيسي سيكو، الذي استولى على السلطة في انقلاب عام 1965. وكانت البلاد تُعرف باسم جمهورية الكونغو الديمقراطية، قبل أن يستبدله موبوتو باسم زائير في عام 1971، علماً أنها كانت مستعمرة بلجيكية.
في عام 1966، اعتبر موبوتو أن "الرياضة لا تقلّ أهمية عن الاقتصاد"، وأعاد 4 لاعبين زائيريين يلعبون في بلجيكا.
وفي عام 1968، استثمر موبوتو بكثافة في الأندية الزائيرية، وحسّن مرافق التدريب، فأحرزت بلاده كأس الأمم الإفريقية. ونظم موبوتو مباراة ودية بين منتخب زائير، المعروف باسم "الفهود"، ونادي سانتوس البرازيلي بقيادة الأسطورة بيليه.

مجموعة صعبة
بعد قيادته المغرب بنجاح في نهائيات كأس العالم 1970، أشرف المدرّب اليوغوسلافي بلاغوي فيدينيتش على منتخب زائير، وقاده إلى مونديال ألمانيا الغربية، بعد تصدّره مجموعة ضمّت زامبيا والمغرب. وبذلك باتت زائير أول دولة في جنوب الصحراء الكبرى تشارك في هذا الحدث، علماً أن مسيرة المغرب في كأس العالم بالمكسيك 1970 كانت الأولى لدولة إفريقية منذ مصر في بطولة إيطاليا عام 1934.
مهّدت زائير، بشكل ما، للإنجازات التي ستحققها لاحقاً منتخبات إفريقية أخرى، مثل الكاميرون والسنغال في عامَي 1990 و2002. وأغدق موبوتو مكافآت فوز سخية جداً على اللاعبين، لكن توقّعاته لما سيقدّمه المنتخب في ألمانيا الغربية لم تكن واقعية، لا سيّما بعدما أوقعت القرعة زائير في مجموعة صعبة مع البرازيل، حاملة اللقب، ويوغوسلافيا واسكتلندا.
في مباراتها الأولى بمونديال 1974، قدّمت زائير عرضاً مقنعاً أمام تشكيلة قوية لمنتخب اسكتلندا، ضمّت لاعبين من طراز كيني دالغليش ودينيس لو، واستخفّت بالفريق الإفريقي.
رغم خسارتها 0-2، أثارت زائير إعجاب كثيرين بأسلوبها الهجومي، علماً أن مدرّب اسكتلندا ويلي أورموند قال قبل المباراة: "إن لم نتمكّن من هزيمة زائير، فعلينا أن نحزم حقائبنا ونعود إلى الوطن".
هزيمة تاريخية أمام يوغوسلافيا
قبل مباراتهم الثانية ضد يوغوسلافيا، علِم لاعبو زائير أنهم لن يتلقّوا المكافآت التي وُعدوا بها، فقرّروا الامتناع عن اللعب، كما قال كابتن الفريق نداي مولامبا.
لكن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) تدخل ودفع نحو 3 آلاف مارك ألماني لكل لاعب، من أجل خوض المباراة التي ستتحوّل إلى نكبة بالنسبة إلى زائير، إذ تقدّمت يوغوسلافيا بثلاثة أهداف في 20 دقيقة. دفع ذلك فيدينيتش إلى إبدال حارس المرمى كازادي موامبا في الدقيقة 21، علماً أنه قدّم أداءً رائعاً ضد اسكتلندا، وإشراك توبيلاندو نديمبي الذي تلقّت شباكه 6 أهداف أخرى، لتفوز يوغوسلافيا 9-0، في واحدة من أقسى الهزائم خلال كأس العالم. وبرّر فيدينيتش قراره بإبدال الحارس، بأن ممثلاً لوزارة الرياضة في زائير أمره بذلك بعد الهدف الثالث ليوغوسلافيا.
منبوذون وفقراء
الهزيمة أغضبت موبوتو، وقال الظهير مويبو إيلونغا لـ"هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي): "بعد المباراة، أرسل (موبوتو) حراسه الشخصيين ليهددونا. منعوا جميع الصحافيين من دخول الفندق وقالوا إن أحداً منا لن يتمكّن من العودة إلى الوطن، إذا خسرنا أمام البرازيل بنتيجة 0-4".
إزاء ذلك، بدت المباراة الثالثة أمام البرازيل مسألة حياة أو موت، خصوصاً أنها احتاجت للفوز بفارق 3 أهداف على الأقلّ لتتأهّل إلى الدور الثاني.
وأثار تقدّم منتخب "السامبا" 2-0 في الدقيقة 66 خشية لاعبي زائير، وحين منح الحكم البرازيل ضربة حرة خطرة، أقدم إيلونغا على أمر سورّيالي سيدخل تاريخ كأس العالم، في ما اعتبره معلّق "بي بي سي" جون موتسون "لحظة غريبة من الجهل الإفريقي".
لكن الدافع كان مختلفاً بالطبع، واستهدف إضاعة الوقت. فعندما استعدّ الجناح الأيسر البرازيلي ريفيلينو لتنفيذ الركلة الحرة، اندفع إيلونغا من حائط الصدّ الذي شكّلته زائير وسدّد الكرة بعيداً، فأنذره الحكم. وقال إيلونغا لـ"بي بي سي": "فعلتُ ذلك عمداً. كنت أدرك قواعد كرة القدم جيداً، لكن الحكم كان متساهلاً جداً ولم يمنحني سوى بطاقة صفراء".
زائير ستخسر 3-0، ونجح لاعبوها في العودة إلى بلدهم، حيث التقاهم موبوتو، لكنهم أمضوا بقية حياتهم كمنبوذين وفقراء ومُنعوا من اللعب في الخارج، فيما أهمل موبوتو كرة القدم ونظم لقاءً في الملاكمة بالعاصمة كينشاسا، في أكتوبر 1974، جمع محمد علي كلاي وجورج فورمان.