بعد غياب سنوات، تقرر عودة الجماهير المصرية للملاعب بـ"سعة كاملة" بعدما كان الحضور قاصراً على عدة آلاف في الأعوام الأخيرة.
القرار أعلنه وزير الشباب والرياضة المصري أشرف صبحي، الثلاثاء الماضي، مشدداً على أنه جاء بعد دراسة لفترة، وموجهاً الشكر لوزير الداخلية والجهات التنفيذية المعنية لاتخاذ ذلك القرار، مثل اتحاد الكرة ورابطة الأندية.
مجهودات متواصلة
في تصريحات لـ"الشرق" قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الشباب والرياضة محمد الشاذلي، إن قرار عودة الجماهير للملاعب جاء تتويجاً لمجهودات متواصلة على مدار السنوات الماضية، مؤكداً أن تطوير البنية التحتية للاستادات وتزويدها بنظام لكاميرات المراقبة وبوابات متخصصة للدخول والخروج وشركات أمن، ساهم في حسم القرار.
وأوضح أن المباريات الأفريقية ستشهد حضوراً جماهيرياً كاملاً في ملعبي القاهرة وبرج العرب، أما المسابقات المحلية فسيسمح بالحضور الجماهيري بالسعة الكاملة، وسيحدد العدد بثلاثين ألف حال إقامة المباراة في "القاهرة" أو "برج العرب" إعمالا لمبدأ تكافؤ الفرص بين الأندية.
وأضاف: "الجمهور هو عصب كرة القدم، نطالبهم الالتزام والبعد عن التعصب الكروي". مشيراً إلى تغليظ العقوبات على الجمهور وعلى الأندية في حالة الخروج عن قواعد الانضباط.
ويرى الشاذلي في تصريحاته لـ"الشرق" أن عودة الجماهير مرة أخرى لملاعب الكرة سيبث الروح في الأندية والهيئات الرياضية، وسيرفع من قيمتها التسويقية وعقود الرعاية وعقود البث الفضائي.
مدرجات خاوية
غابت الجماهير المصرية عن مباريات الدوري منذ مذبحة بورسعيد التي وقعت في الأول من فبراير 2012، عقب مباراة الأهلي مع المصري البورسعيدي التي راح ضحيتها 72 من جماهير الأهلي معظمهم من الشباب والأطفال.
بعد 3 سنواتٍ، وتحديداً في الثامن من فبراير عام 2015، وقعت كارثة كروية أخرى في ستاد "الدفاع الجوي" راح ضحيتها 22 قتيلا من جمهور نادي الزمالك.
وشهدت السنوات التالية، حالات متكررة من الشد والجذب بين مجموعات الألتراس وبين الحكومات المتعاقبة، قبل أن تختفي تلك الروابط بشكل كبير.
اقتصر الحضور الجماهيري على عدد محدد في مباريات الأندية المصرية في مسابقات الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، وكذلك مباريات المنتخب المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمم أفريقيا وكأس العالم.
وفي المسابقات المحلية، لم يتخطَ الأمر في البداية ألف مشجع. وبعد زيادات متتالية وصل العدد إلى 10 آلاف مشجع في ديسمبر الماضي للمباريات المقامة في استادات "القاهرة" و"الدفاع الجوي" و"المقاولون العرب" و"برج العرب".
ولزيادة التنظيم وخوفاً من نشوب اشتباكات جديدة أو أعمال شغب، قامت الحكومة المصرية بالاعتماد على نظام الحجز الإلكتروني للمباريات كوسيلة وحيدة للحصول على التذاكر. ولاستخراح البطاقة الخاصة بالملاعب يجب أن يقوم كل مشجع بإدخال الرقم القومي الخاص بهويته الشخصية.
ولجأت الوزارة أيضاً إلى شركات أمنٍ "مدنية" لتأمين المباريات وحماية الملاعب.
أسئلة بلا إجابات
ويري وليد الكاشف مدير أمن ستاد القاهرة السابق وصاحب أول دكتوراة عن الألتراس، أن عودة الجماهير للملاعب أمر محمود، لكنه في نفس الوقت يثير تساؤلات حول ملفات عديدة لم يتم حلها حتي الآن.
يقول الكاشف لـ"الشرق" إن هناك عدة ملفات لم يتم حلها حتي الآن، أبرزها كيف سيتم التعامل مع الجمهور خلال المباريات المحلية، خاصة تلك التي تضم قطبي الكرة المصرية الأهلي والزمالك.
وأضاف: "ما زال من غير المعروف حتي الآن كيف سيتم التعامل مع أدوات التشجيع التي لا يسمح بدخولها إلي الاستادات حاليا مثل "الطبول"، و"بعض الأعلام"، وكذلك الشماريخ"، بالإضافة إلى أزمة مباريات الأهلي والمصري، حيث لم ينتقل الفريق القاهري لخوض المباريات في بورسعيد منذ أحداث فبراير 2012".
ويستكمل الكاشف قائلاً: "بخلاف هذه المشاكل، هناك أيضاً مشكلة روابط المشجعين "الألتراس" التي تراجع حضورها لكنّها ما زالت متواجدة، وعدد أفرادها ربما يتخطى مليون شخص. وهناك أزمة تتعلق بارتفاع أسعار التذاكر، وعدم قدرة قطاع من المشجعين على حضور المباريات"
"فرح بلا معازيم"
يصف الناقد الرياضي كمال عامر، مباريات كرة القدم بلا جماهير بـ"سرادق عزاء كبير دون حضور، أو فرح في قاعة كبيرة وفارهة بلا معازيم، حيث يلعب اللاعبون بلا روح، وكانهم موظفين حكوميين".
يستكمل عامر في حديثه لـ"الشرق": "الجماهير فاكهة كرة القدم. المصريون يتابعون الكرة بشغف. بعضهم قد يمنحها أولوية على الأكل والشرب".
يري عامر أن غياب الجماهير عن المدرجات تسبب في خسائر مالية كبيرة للأندية حيث اعتمدت الاندية لسنوات على عوائد التذاكر كأحد أبرز مصادر الدخل.
واتهم عامر الإعلاميين بالتسبب في زيادة التعصب، وقال: "يبحثون عن مشاهدات أكبر وأموال أكثر. وفي أحيانٍ كثيرة تكون لهم توجهات وانحيازات".
واختتم: "التشجيع قد يكون بمثابة العاج النفسي لكثير من المصريين. التشجيع والصراخ في المدرجات وسيلة للتخفف من الضغوط الحياتية".