في أسابيع قليلة مضطربة لليفربول، كانت هذه هي الصورة الأكثر إثارة للقلق على الإطلاق. لقد كان مشهد يورغن كلوب أحد أعظم مدربي أنفيلد، وهو يتشاجر مع محمد صلاح، أحد أعظم لاعبي النادي في العصر الحديث، في الملعب الأولمبي الخاص بنادي ويست هام، السبت، "غير لائق" في أحسن الأحوال، و"مثيراً لتساؤلات خطيرة" في أسوئها.
ومع رحيل كلوب نهاية هذا الموسم، تركزت التساؤلات على صلاح من حيث علاقته بالمدير الفني وطاقمه، وحالته الذهنية في الوقت الذي يكافح فيه لاستعادة مستواه، والأهم من ذلك كله مستقبله على المدى الطويل.
فاللاعب المصري، الذي يتقاضى أعلى أجر في ليفربول، بحوالي 350 ألف جنيه استرليني (ما يعادل 377 ألف دولار) أسبوعيا بعد تمديد العقد الذي وقعه في عام 2022، لا يزال لديه عام في عقده مع الفريق الإنجليزي، ولم يتم إحراز أي تقدم على صعيد التمديد لفترات أخرى حيث ينصب تركيز الفريق على استجلاب خليفة لكلوب، والذي بات من المؤكد أنه سيكون آرني سلوت.
ووفق ما كشفه موقع "ذي أتلتيك"، الاثنين، يتوقع ليفربول بقاء صلاح خلال هذا الصيف ويخطط لأن يكون ضمن الفريق للموسم المقبل.
ولكن، يبقى السؤال الأكثر أهمية، "ما هي خيارات ليفربول، وما هو أكثرها منطقية؟"
هل يبيع ليفربول محمد صلاح بالسعر المناسب؟
ربما يتوقع ليفربول بقاء الملك المصري، ولكن بالنظر إلى نموذج الأعمال القائم على الاكتفاء الذاتي لمجموعة Fenway Sports Group (FSG)، هناك سبب للاستفادة من بيعه خلال هذا الصيف.
في ضوء هذا الخيار لا يقتصر الأمر على أن نجم ليفربول لم يعد إلى سابق عهده منذ عودته إلى الملاعب بعد إصابته في العضلة الخلفية التي تعرض لها في البداية أثناء مشاركته في كأس الأمم الأفريقية في يناير الماضي. فصلاح سيبلغ من العمر 32 عاماً في يونيو المقبل، ولا بد أن تكون هناك مخاوف من أن تقديمه لأعلى مستوى لفترة طويلة قد تأثر، بعد أن بلغ متوسط مشاركاته مع النادي الإنجليزي أكثر من 50 مباراة في أول 6 مواسم له في ليفربول.
أحد الأسباب التي تجعل مُلَاك نادي ليفربول يقيمون مايكل إدواردز بدرجة عالية، هو مدى قدرته على التخلص من العاطفة عند اتخاذ القرارات. فالأمر يتعلق بمصلحة النادي فقط في المستقبل، وليس بما قدمه أحد لاعبيه في الماضي.
وقد رفض ليفربول عرضاً بقيمة 100 مليون جنيه استرليني في الميركاتو الصيفي الماضي لبيع محمد صلاح لاتحاد جدة السعودي، كان من المحتمل أن يرتفع إلى 150 مليون جنيه استرليني مع الإضافات. كان الأمر بديهياً في ذلك الوقت لأنه لم يكن هناك وقت كافٍ لإيجاد بديل مناسب يحل محل الفرعون المصري.
ورغم ذلك، لو تم طرح رقماً مماثلاً على الطاولة في وقت مبكر من هذا الصيف، فسيكون من الصعب على مسؤولي ليفربول رفضه، إذ سيساعدهم هذا المكسب على شراء بديل أصغر أو ربما عدد من اللاعبين.
ويبقى السؤال: "هل يستطيع ليفربول أن يخوض مغامرة خسارة صلاح مقابل لا شيء في عام 2025؟".
في السنوات الأخيرة، غادر البرازيلي روبرتو فيرمينو والإنجليزي أليكس أوكسليد تشامبرلين ولاعب الوسط الغيني نابي كيتا، بالإضافة لعناصر أخرى أمثال جيمس ميلنر وديفوك أوريجي وجيني فينالدوم دون مقابل.
وفي العديد من هذه الحالات، رأى ليفربول أن الاحتفاظ باللاعب لعامه الأخير أكثر فائدة للنادي من المقابل المادي المتواضع الناجم عن بيعه. ولكن قيمة صلاح تبقى في مستوى مختلف.
بالطبع لن يكون بيع صلاح قابلاً للتطبيق إلا إذا عرضت الأندية السعودية شراء عقده، فمن الصعب رؤية ناد أوروبي قادر على تحمل مثل هذا النوع من الأجور، أو مقابل انتقال مرض لجميع الأطراف.
وبحسب موقع "ذا أثلتيك" الأميركي، سيوافق صلاح على المغادرة الآن، بدلاً من الصيف المقبل، حيث سيكون قادراً على الحصول على مقابل توقيع أعلى.
تجديد عقد صلاح بشروط مخففة
تعتقد مصادر ذا أثلتيك أن الصعوبة التي يواجهها ليفربول حالياً تكمن في معرفة ما إذا كان تراجع مستوى صلاح كبوة سيتعافى منها بعد حصوله على الراحة الصيفية والاستشفاء، أو ما إذا كان هذا هو مستواه الجديد.
سيلعب "مو" بشكل أفضل من مستواه الحالي، إذ أن المهارة لا تختفي في لحظة، ولكن قدرته على الفوز بالمباريات بمفرده مع ليفربول بدأت تتلاشى، وأكثر من أي وقت مضى، يبدو صلاح "إنسانا"، وجزءا من الفريق وليس بطلا خارقا.
مع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن إمكانية الدخول مع وكيله اللبناني الكولومبي رامي عباس في صفقة جديدة بشروط مخففة تبقى محل اعتبار كبير من قبل الفريق.
لقد أصبح صلاح عن جدارة واستحقاق صاحب أعلى أجر في الفريق عندما وقع على عقده الحالي في عام 2022، ولكن ليفربول لا يمكنه أن يقدم عرضاً اعتماداً على ما قدمه النجم المصري، وإنما يتعلق الأمر بما سيقدمه لاحقاً.
لا يعني ذلك أن اللاعب الدولي المصري سيقنع بذلك، وإنما سيؤكد من غير شك أنه مرة أخرى سينهي الموسم كأفضل هداف لليفربول، وهو أفضل مهاجم في الفريق بالمقارنة مع زملائه الذين لا تزال تحيط بهم علامات استفهام، سواء فيما يتعلق بقدرتهم على الاستمرارية أو فيما يتعلق بالعودة من الإصابات، أو حتى بالمنتوج الفني.
ومع ذلك، لم يعد صلاح هو اللاعب السريع المخادع الذي يرهق الظهيرين. وبرغم أنه لا يزال سريعا لم يعد قادرا على التخلص من خصومه مثلما كان يفعل، إذ تراجعت نسبة نجاحه إلى النصف. رغم ذلك، فقد قام صلاح بتعديل أسوب لعبه، ليصبح صانع أهداف إلى جانب إحرازه لها.
غالبا ما تتطلب خطة لعب آرني سلوتي 4-2-3-1، من الجناح الأيمن الدخول إلى العمق ليصبح رقم 10 الثاني. ربما يناسب هذا الدور صلاح أكثر مما يُطلب منه الآن لأنه سيجعله على مسافة أقرب من مرمى المنافس، ما سيزيد احتمالية إحرازه للأهداف أو تقديم تمريرات حاسمة لإحرازها.
هناك أيضا خيار التحول إلى اللاعب رقم 9، وهو الدور الذي لم يقم به صلاح إلا في مناسبات قليلة تحت قيادة كلوب.
قد يمنح ذلك صلاح بصيصا جديدا، ولكن إقناع نجم عالمي بأنه لا يستحق راتبه الحالي سيكون صفقة بالغة الصعوبة.
رحيل محمد صلاح عن ليفربول بالمجان
أظهر ليفربول في المواسم الأخيرة أنه لا يخشى من السماح للاعبيه بالمغادرة مجانا في نهاية عقودهم.
ومن المقرر أن يفعل ثياجو وجويل ماتيب ذلك هذا الموسم، فيما انتهج فيرمينيو وأوكسليد تشامبرلين وكيتا وميلنر وفينالدوم وآدم لالانا المسار نفسه.
ولكن السماح بمغادرة صلاح دون مقابل يمثل أمرا مختلفا، لأن الآخرين لم يكونوا يوما أفضل لاعبي ليفربول، وانخفضت قيمتهم إلى الحد الذي يجعل أي عملية بيع تجاههم تدر القليل من الأموال.
والسؤال الذي يتكرر في هكذا مواقف هو ما إذا كان الاحتفاظ باللاعب لعام آخر سيكون أكثر قيمة من بيعه، خاصة إذا كانت رابطة الدوري السعودي لا ترغب في دفع أموال طائلة وتفضل الانتظار، مع توقعهم بقاء صلاح في ليفربول للموسم القادم، إذ قد لا يجد ليفربول عرضا يشعر بأنه مقبول لديه.
قد يساعد ذلك سلوت في الحصول على أهم خياراته، حتى ولو لموسم واحد فقط. فهناك بالفعل مناطق في الفريق تحتاج إلى العمل عليها خلال هذا الصيف، ومن ثم فإن إضافة عنصر آخر إلى قائمة المدير الفني الجديد لن يكون مثاليا.
إضافة إلى ذلك، قد يعود صلاح إلى مستواه المتألق في الموسم المقبل. وسيكون هذا تعديلا لدوره حيث تختلف طريقة لعب سلوت عن طريقة كلوب وربما تتناسب الطريقة والمدرب الجديدين مع صلاح بشكل رائع. كما ان هذا التوجه سيمنح ليفربول مزيدا من الوقت للعثور على بديل والتوقيع معه.
ومن ناحية صلاح، فإن البقاء لعام آخر في صفوف ليفربول سيمنحه أيضا فرصة أخيرة للفوز بالدوري الإنجليزي الممتاز ودوري الأبطال الأوروبي. كما سيمنحه كذلك فرصة أكبر للتخطيط لمستقبله كلاعب غير مرتبط بفريق، إذ سيكون حرا في التحدث إلى الأندية الأجنبية من يناير 2025، والحصول على مكافأة توقيع كبيرة.
الاحتفاظ بصلاح مهما كان الثمن
هناك إغراء لاعتبار هذا الموسم فاشلا بالنسبة لـ "مو صلاح"، وفي أسوأ أيامه، إشارة إلى تراجع قدراته.
وقد ساعد الشهر الماضي على ترسيخ هذه الشكوك. ولكن، حتى مع مشكلات الإصابة التي لحقت به والوقت الذي قضاه بعيدا عن ليفربول مع منتخب بلده في كأس الأمم الإفريقية، فقد أحرز صلاح 24 هدفا لليفربول، ويأتي بعده داروين نونيز بـ 18 هدفا فقط.
ولم يجد ليفربول حتى الآن لاعبا قادرا على تقديم أداء ثابت مثل صلاح، وحتى ذلك اليوم سيكون مجرد التفكير في انفصال النادي الأحمر عن تعويذته مقامرة كبرى.
لا يجب الخلط بين هذا الخيار والتصويت العاطفي، أو بينه وبين عودة كريستيانو رونالدو غير الناجحة والمكلفة إلى مانشيستر يونايتد في عام 2021. فصلاح، رغم أنه في الثانية والثلاثين من العمر، لا يزال لديه الكثير ليقدمه لليفربول.
إنه بلا شك أيقونة النادي المعاصرة لسبب وجيه، وهو أنه أحرز 210 هدفا وما زال العد مستمرا، والارتباط به حتى عام 2026 على الأقل له ميزة تفوق حجم المخاطرة، إذ سيتكلف التعاقد مع بديل مناسب أموالا أكثر بكثير.