جدل في مصر بعد إعلان لاعب الإسكواش محمد الشوربجي اللعب باسم إنجلترا

time reading iconدقائق القراءة - 2
لاعبا الإسكواش المصريان محمد الشوربجي (إلى اليسار) وعلي فرج خلال بطولة دبي - 9 يونيو 2018 - AFP
لاعبا الإسكواش المصريان محمد الشوربجي (إلى اليسار) وعلي فرج خلال بطولة دبي - 9 يونيو 2018 - AFP
القاهرة -آلاء عثمانميّ هشام

أدى إعلان لاعب الإسكواش المصري محمد الشوربجي، الذي يحمل الجنسية البريطانية، تمثيل إنجلترا في اللعبة على المستوى الدولي، إلى حالة من الجدل الواسع في الأوساط الرياضية المصرية. 

ويحتل الشوربجي حالياً المركز الثالث في التصنيف العالمي للعبة، واحتفظ سابقاً بصدارة الترتيب لمدة 50 شهراً، كما فاز بعدد من البطولات العالمية.

وأثار قرار اللاعب المصري ردود فعل غاضبة في الوسط الرياضي، إذ عمد "نادي هليوبوليس" المصري إلى فسخ التعاقد مع اللاعب، كما أصدر الاتحاد المصري للإسكواش بياناً بشأن الواقعة.

وعلّق بعض نجوم الرياضة على قرار الشوربجي، قائلين إنه يعبّر عن الصعوبات التي يلقاها اللاعبون خلال مشوارهم المهني، مؤكدين أن حالة اللاعب الشاب قد لا تكون الأخيرة.

تحرك سريع

واتخذ "نادي هليوبوليس" المتعاقد مع الشوربجي قراره، الاثنين، بعد بضع ساعات من انتشار خبر قرار الشوربجي اللعب لصالح إنجلترا.

وقال رئيس النادي عمرو السنباطي لـ"الشرق" إنه عَلم بالقرار من موقع الاتحاد الإنجليزي، ليؤكد اللاعب المعلومة لاحقاً. وجاء رد النادي "سريعاً وحاسماً"، حسب تعبيره، بفسخ التعاقد وعقد الرعاية المبرم معه.

وأوضح السنباطي: "كان بين اللاعب والنادي عقد رعاية مدته عامان، وقرارنا جاء من منطلق أن النادي تعاقد مع اللاعب بوصفه جزءاً من الكيان المصري للعبة، وجاء الفسخ نتيجة تخليه عن اللعب باسم مصر".

وترجع علاقة النادي باللاعب محمد الشوربجي إلى عام مضى، وكان مقرراً لها أن تمتد حتى 2023، وعلى مدار ذلك العام يؤكد السنباطي أنه لم يجد تقصيراً من جانب اللاعب، كما لم يقصّر النادي بدوره في أي من تعهداته.

"بيروقراطية الاتحاد"

وفيما عمد لاعبون مصريون حاليون إلى تجاهل الأزمة ورفض التعليق عليها نظراً للعلاقة التي تربطهم بالشوربجي، لجأ آخرون إلى الإدلاء بآرائهم بشأن تلك الأزمة ومنهم كريم درويش الفائز ببطولة العالم 4 مرات، وبطولة هونج كونج المفتوحة 4 مرات، وبطولة أميركا المفتوحة مرتين، والمصنف الأول عالمياً طيلة عام 2009 باستثناء شهر واحد، وقد أعرب عن رأيه في منشور له عبر حسابه الشخصي على فيسبوك.

وألمح اللاعب في منشوره على فيسبوك إلى معاناة الاتحاد من البيروقراطية، شأنه شأن أي اتحاد رياضي في العالم.

وفيما شهد للشوربجي بالمهارة والأسطورية، أشاد بالدعم الإعلامي والحكومي ودعم القطاع الخاص للاعبي الإسكواش في مصر، واعتبر أن ذلك لا يتكرر في بلدان أخرى بخلاف مصر.

أما اللاعب المعتزل أحمد برادة، فأعرب عن تفهمه لموقف الشوربجي، وعرض التدخل لحل الأزمة وإقناعه بالعدول عن قراره اللعب باسم المملكة المتحدة.

وفي تصريحات لـ"الشرق"، قال برادة إن "أزمة الشوربجي أزمة عابرة مقارنة بمكانة اللعبة في مصر عالمياً"، معرباً عن أسفه لتلك الأزمة، لاسيما أنها مرشحة للتكرار مع لاعبين آخرين. وأوصى بأن يزيد اتحاد اللعبة اهتمامه بأبطال الإسكواش، ويعمل على تذليل العقبات التي تواجههم حتى لا يتكرر السيناريو ذاته مرة أخرى.

اتحاد الإسكواش يردّ

من جانبه، أصدر الاتحاد المصري للإسكواش بياناً رسمياً في أعقاب إعلان قرار الشوربجي، أكد فيه احترامه الكامل لإرادة اللاعب وتفضيله اللعب لصالح بلد آخر، وذلك أحد حقوقه كلاعب محترف.

وأضاف أنه بسبب ظروف دراسة اللاعب خارج مصر كان دائم الاعتذار عن تمثيل منتخب بلاده، وأشار البيان إلى أن آخر مشاركات الشوربجي مع المنتخب تعود إلى عام 2011. 

وفيما يخص حصول اللاعب على دعم الاتحاد، أشار البيان إلى تكريم الشوربجي من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصوله على وسام الرياضة من الطبقة الأولى في عام 2018. 

وتابع البيان: "لقد دعمت وزارة الشباب والرياضة والاتحاد المصري للإسكواش اللاعب في حدود إمكانيات الدولة، وطبقاً للوائح المنظمة مثله مثل باقي أبطال اللعبة الذين مثلوا مصر، ومازالوا يرفعون علم مصر في جميع أنحاء العالم".

وأضاف: "لكن للأسف الشديد وجود اللاعب خارج البلاد بصفة دائمة، حتى وصوله سن الإعفاء النهائي من أداء الخدمة العسكرية، قد أثر على إمكانية التواصل مع اللاعب ودعمه ومساندته مثل باقي أبطالنا، وهذا يُسأل عنه اللاعب نفسه ويتحمل تبعاته وليس للدولة أو اتحاد اللعبة دخل في ذلك". 

وأوضح الاتحاد في بيانه أن اللاعب "قام ببدء الإجراءات للحصول على الجنسية البريطانية وساعده فيها أحد زملائه من اللاعبين الإنجليز. وكان من تسهيلات الحصول عليها اللعب باسم المنتخب الإنجليزي، لذا كان متوقعاً أن يمثل إنجلترا في أي مناسبة قادمة".

وفي تصريحات لـ"الشرق"، علّق عاصم خليفة رئيس الاتحاد المصري للإسكواش على رحيل الشوربجي، واصفاً إياه باللاعب الكبير والموهوب، غير أنه اتخذ قراراً فردياً كأي كفاءة مهنية شابة تقرر الهجرة. 

وقال: "بذلنا معه جهداً كبيراً كي يصبح على ما هو عليه، ونشعر بالضيق إزاء قراره فنحن لا نفرط في أبنائنا، إلا أنه قرار مماثل لأي طبيب أو مهندس يقرر الهجرة والعمل في الخارج".

وأشار خليفة إلى أن النظرة الشعبية العاطفية أدت إلى حالة التأثر برحيل اللاعب الشاب، نظراً لتفوقه وقدرته على تحقيق مكاسب، غير أن الساحة المصرية حافلة باللاعبين القادرين على تحقيق إنجازات، حسب وصفه. 

وأضاف رئيس الاتحاد المصري: "الشوربجي كان دائماً يلعب بشكل فردي لا رفقة المنتخب، وعادة ما كان يقدم الاعتذارات لعدم المشاركة مع المنتخب وكنا نصدّقه، إما بسبب الإصابة أو اللعب في بطولة دولية، ولكن كان لدينا بدائل وحققنا النتائج نفسها".

وأقر خليفة بأن الإمكانات في مصر ليست مثل المتوفرة في إنجلترا، "ولكنها كافية، والدليل على ذلك أن هناك 6 مصريين من بين أفضل 10 لاعبين على مستوى العالم".

"غياب التقدير"

واعتبر أن الدعوات من جانب البعض عبر مواقع التواصل لسحب الجنسية من الشوربجي "مبالغ فيها".

خلال تصريحات صحافية، عبّر الشوربجي عن متاعب تعرّض لها خلال اللعب تحت العلم المصري، كعدم توفر فريق خاص من مدرب وطبيب، وعدم حصوله على راعٍ محلي، فضلاً عن عدم حصوله على التقدير المعنوي المأمول.

وعلّق خليفة على تصريحات الشوربجي قائلاً إن حديثه يفتقد للأدلة، "ولم يكن الشوربجي يشكو من أي متاعب صحية محدده تستوجب تواجد طبيب خاص. وضمن التصنيف العالمي لدينا 6 لاعبين رجال على سبيل المثال، فهل من المنطقي أن نُعيّن فريقاً خاصاً لكل منهم؟ أعتقد أن تلك الحجج تفتقد للأدلة".

وفي تصريحات للشوربجي بثها تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، قال "إنجلترا أعطتني الدعم الذي أحتاجه.. لسنوات طويلة لم يفكر فيّ أحد (في مصر)، وكان واجباً أن يأتي الوقت الذي أفكر فيه في نفسي".

وأضاف "كنت أتضايق بشدة عندما أصل إلى مطار بلدي وأجد صوراً للاعبي مصر وأنا الوحيد الذي لا توجد له صورة".

ويقيم الشوربجي في مدينة بريستول الإنجليزية، وعاش أكثر من نصف عمره هناك حسبما يقول، كما فاز ببطولة بريطانيا المفتوحة ثلاث مرات، من بين 44 لقباً احترافياً باسمه.

حالة خاصة

وأكد مدير فني لرياضة الإسكواش في أحد النوادي المصرية البارزة، رفض نشر اسمه، أن الشوربجي مؤهل تماماً لتمثيل إنجلترا دولياً، إذ تنص القواعد الدولية على إمكانية انضمام اللاعب لتمثيل دولة جديدة، على ألا يكون قد لعب باسم دولة أخرى في بطولة فرق عالمية على مدار خمس سنوات، وأضاف لـ"الشرق": "تنطبق تلك الشروط تماماً  على الشوربجي الذي لم يشارك مع المنتخب المصري منذ عام 2012".

وتحدثت "الشرق" إلى المدير الفني السابق لمنتخب مصر للإسكواش أشرف حنفي الذي رجح أن أسباب الشوربجي شخصية في الأساس، إذ قضى فترات طويلة من حياته مقيماً في المملكة المتحدة، ويرغب اليوم في بناء مستقبل والحصول على مزيد من الاهتمام. 

وأضاف: "يفضل الشوربجي اليوم تأمين مستقبله، وانتقاله متعلق بشقين أولهما الجنسية وثانيهما التطوير التدريجي في المهنة باللعب لصالح إنجلترا، والتطور مستقبلاً بالانضمام إلى الجهاز الفني بعد الاعتزال".

وأوضح حنفي أن إنجلترا من الممكن أن تمنح اللاعب اهتماماً أكبر بالفعل، فيما يضع الاتحاد المصري للإسكواش الناشئين نصب عينيه. وقال: "الأمور المادية تؤثر على الاتحاد الذي يعمل على توزيع دخله على اللاعبين وبينهم الناشئون. ولا شك في أن الاتحاد أنفق أموالاً واهتماماً كبيراً على الشوربجي في صغره، وعندما يكبُر اللاعب عادة ما يبدأ بالاعتماد على نفسه والاستفادة من الرعاة".

غير أن رحيل اللاعب لا يعكس بالضرورة حالة معاناة كبيرة للاعبين المصريين، وأوضح حنفي:" لو كان الأمر كذلك ما كنا أوائل اللاعبين في العالم، وما كانت مصر الأفضل تدريبياً. لا بد من أن توجه الدولة دعماً إضافياً لرياضة الإسكواش التي تحقق الآن أفضل النتائج متفوقة على الرياضات الأخرى، ومن ثم يوجه هذا الدعم للاعبين المحترفين وأصحاب الإنجازات".

الانتماء مقابل المادة

أما المعلّق والمحلل الرياضي لمباريات التنس والإسكواش إسلام السنهوري، فيرى أزمة الشوربجي من زاوية أخرى، ويوصي بعلاجها من جذورها.

وقال لـ"الشرق" إن الجيل الحالي من لاعبي الإسكواش أوفر حظاً بمراحل من الأجيال السابقة، لاسيما من جهة عقود الرعاية والمخصصات المالية ومكافآت المسابقات.

ويوضح: "خريطة الرعاية الإعلانية في المنطقة تغيّرت بعد عام 2012، ووفد إليها فاعلون جدد أتاحوا فرصاً أكثر للاعبين". 

ومن ناحية أخرى، يوصي السنهوري باهتمام وزارة الشباب والرياضة المصرية بتغذية روح الانتماء الوطني لدى الناشئين الرياضيين. وتساءل عن أسباب رجوح كفة المادة على الانتماء الوطني لدى الرياضيين الشباب، مؤكداً أن الأجيال السابقة كانت تلعب الرياضة لوجه الوطن وحُباً بالرياضة.

تفوق مصري 

على الساحة الدولية، يبرز اسم محمد الشوربجي كأحد أهم وجوه رياضة الإسكواش في التصنيف العالمي، إذ يحتل اليوم المركز الثالث بعد أشهر من التربع في المركز الأول.

غير أن السجل المصري حافل بالنجاحات واللاعبين المميزين، فوفقاً لموقع الاتحاد الدولي للإسكواش، يحتل المصريون الستة مراكز ضمن التصنيف العالمي للرجال، في مقدمتهم علي فرج المتربع على الصدارة، أما في التصنيف النسائي فتحتل مصر 5 مراكز، في مقدمتها اللاعبة نوران جوهر التي تعتلي المركز الأول. 

تاريخ ممتد

ويرجع تاريخ تأسيس الاتحاد المصري للعبة الإسكواش إلى عام 1931، إذ كانت اللعبة نتاجاً للتفاعل الثقافي بين أفراد الجيش البريطاني والمصريين، إبان الاحتلال الإنجليزي لمصر.

وعلى مدار تاريخ اللعبة في مصر برزت أسماء عديدة، لعل من أهمها الدبلوماسي المصري عبد الفتاح عمرو الذي حاز لقب "أبو الإسكواش المصري"، وصُنف الأول عالمياً لسنوات عديدة في الثلاثينات من القرن الماضي.

بعد جيل عبد الفتاح عمرو، أبقت اللعبة في مصر دوماً على اسم مميز وبارز عالمياً، كمحمود عبد الكريم في الأربعينات وعبدالفتاح أبوطالب وجمال عوض.

وفي التسعينات، شهدت اللعبة نبوغ أحمد برادة الذي تلقف منه الراية اللاعب عمرو شبانة، ومن بعده اللاعب كريم درويش في مطلع القرن الحالي، وهو الجيل الذي سبق جيل محمد الشوربجي.

تصنيفات