"حرب" الألمانيتين في مونديال 1974: الشيوعية تهزم الرأسمالية

time reading iconدقائق القراءة - 2
مهاجم ألمانيا الشرقية يورغن سبارفاسر (يسار) يسجّل هدف الفوز على ألمانيا الغربية في هامبورغ - 22 يونيو 1974 - AFP
مهاجم ألمانيا الشرقية يورغن سبارفاسر (يسار) يسجّل هدف الفوز على ألمانيا الغربية في هامبورغ - 22 يونيو 1974 - AFP
دبي- إيلي هيدموس

تخيّلوا مباراة في كأس العالم لكرة القدم بين الكوريتين، الجنوبية والشمالية. يبدو الأمر سوريالياً، لكنه تحقّق بين الألمانيتين، الغربية والشرقية، في مونديال ألمانيا الغربية عام 1974.

تلك المباراة تميّزت برمزية شديدة، إذ أتت بعد 13 عاماً على تشييد جدار برلين، وشكّلت "صداماً" جيوسياسياً بين نظامين متناقضين في بلد قُسّم بعد الحرب العالمية الثانية ولن يستعيد وحدته قبل عام 1990.

المباراة الدولية كانت الأولى بين شطرَي ألمانيا، رغم أنهما خاضا مباريات بين فرق هواة في التصفيات الأولمبية، لكن أنديتهما كانت شاركت في مواجهات، بما في ذلك بين دينامو دريسدن وبايرن ميونيخ في كأس أوروبا لأبطال الدوري في موسم 1973-1974، وفورتونا دوسلدورف ولوكوموتيف لايبزيغ في كأس الاتحاد الأوروبي في الموسم ذاته.

شهد ذاك الموسم أيضاً إحراز أف سي ماغدبورغ لقب كأس الكؤوس الأوروبية، ليصبح النادي الألماني الشرقي الوحيد الذي يفوز بكأس أوروبية، علماً أن بايرن ميونيخ أحرز لقب كأس أوروبا لأبطال الدوري في الموسم ذاته، وسيحتفظ به في الموسمين التاليين أيضاً.

ولكن حين أوقعت القرعة، التي سُحبت في فرانكفورت في يناير 1974، منتخبَي الدولتين في مجموعة واحدة بالمونديال، شكّل الأمر "صدمة" أولاً لدى الحاضرين، قبل أن يصفقوا بشكل عفوي.

كابتن ألمانيا الغربية فرانز بيكنباور (يسار) يصافح كابتن ألمانيا الشرقية بيرند برانش قبل مباراة المنتخبين - 22 يونيو 1974
كابتن ألمانيا الغربية فرانز بيكنباور (يسار) يصافح كابتن ألمانيا الشرقية بيرند برانش قبل مباراة المنتخبين - 22 يونيو 1974 - Twitter/@SuperbFootyPics

تشيلي والاتحاد السوفياتي

شارك في هذه المجموعة أيضاً، منتخبا تشيلي وأستراليا، ممّا أسبغ نكهة سياسية إضافية على الحدث، إذ أن ألمانيا الشرقية، حليفة الاتحاد السوفياتي، ستواجه تشيلي التي أقصت "الأخ الأكبر" الشيوعي في التصفيات.

فبعد انقلاب عسكري شهدته تشيلي عام 1973، أطاح بالرئيس اليساري سلفادور ألليندي، رفض السوفيات خوض مباراتهم في سانتياغو، ففازت تشيلي بالانسحاب.

ألمانيا الغربية هزمت تشيلي 1-0 وأستراليا 3-0، فيما فازت ألمانيا الشرقية على أستراليا 2-0 وتعادلت مع تشيلي 1-1. وتنافس المنتخبان على صدارة المجموعة، بعدما ضمنا تأهلهما، علماً أن التعادل كان يصبّ في مصلحة ألمانيا الغربية.

"ألمانيا ضد ألمانيا"

في 22 يونيو، احتشد 62 ألف متفرج في ملعب "فولكسبارك" بمدينة هامبورغ، استمعوا بصمت إلى النشيد الوطني لألمانيا الشرقية، التي شجّعها نحو 1500 شخص، أفادت معلومات بأنهم تابعون للحكومة الشيوعية، بما في ذلك جهاز الاستخبارات، المعروف باسم "شتازي".

في الدقيقة 77، اخترق المهاجم الألماني الشرقي يورغن سبارفاسر دفاع ألمانيا الغربية، مسجّلاً الهدف الوحيد في المباراة، الذي سيحوّله إلى بطل في بلاده، بعدما هزم الشيوعيون أشقاءهم الرأسماليين في عقر دارهم خلال الحرب الباردة.

وقال سبارفاسر لاحقاً: "إذا كُتب على شاهد قبري يوماً (هامبورغ 74)، فسيدرك الجميع مَن يُسجّى فيه"، علماً أنه سينشق إلى الغرب في عام 1988، قبل عام من انهيار جدار برلين.

حارس مرمى ألمانيا الشرقية آنذاك يورغن كروي عدّ الفوز "مهماً إذ كنا في كأس العالم ولأن (المباراة) كانت ألمانيا ضد ألمانيا". وأضاف: "بالطبع عظّمه الساسة، لكن ذلك يحدث في كل مكان. كل البلدان تحاول الاستفادة سياسياً من نجاحها الرياضي".

لكن كابتن منتخب ألمانيا الشرقية آنذاك، بيرند برانش، شدد على أن "السياسة لم تؤدِ أي دور إطلاقاً بالنسبة إلينا". وتابع: "الأمر الأكثر أهمية هو الرياضة نفسها. اعتقد الجميع بأن لا فرصة لدينا (في الفوز)، وأردنا فقط أن نثبت للعالم بأننا نستطيع لعب كرة القدم". وزاد: "كان الفوز مهماً. لم يكن مهماً (كونه حصل ضد) ألمانيا الغربية".

بيكنباور "يشكر" ألمانيا الشرقية

منتخب ألمانيا الغربية كان بطل أوروبا في عام 1972، وضمّ أساطير كروية، مثل فرانز بيكنباور وسيب ماير وغيرد مولر، إضافة إلى نجوم مثل أولي هونيس وبول برايتنر وفولفغانغ أوفيراث.

وأراد المنتخب إهداء الفوز في المباراة إلى مدربه المخضرم هيلموت شون، المولود في دريسدن بألمانيا الشرقية، قبل أن تفرّ عائلته إلى الشطر الغربي، لكن ذلك لم يتحقق.

المفارقة أن فوز ألمانيا الشرقية ارتدّ عليها سلباً في الدور الثاني من المسابقة، إذ شاركت في مجموعة قاسية مع الأرجنتين والبرازيل وهولندا. أما ألمانيا الغربية فلعبت مع بولندا والسويد ويوغوسلافيا.

وستخرج ألمانيا الشرقية من البطولة، بعد خسارتها أمام البرازيل وهولندا، وتعادلها مع الأرجنتين، فيما ستشقّ ألمانيا الغربية طريقها إلى النهائي، حيث ستهزم هولندا 2-1. وقال بيكنباور: "هدف سبارفاسر أيقظنا، وإلا لما كنا سنصبح أبطال العالم".

"معركة صعبة ولكن عادلة"

قبل بدء المباراة في هامبورغ، تردّدت في الملعب هتافات "ألمانيا، ألمانيا"، علماً أنها سُمّيت آنذاك "معركة بين الإخوة".

ولم يتمكّن اللاعبون من تبادل قمصانهم على الملعب بعد صافرة النهاية، نتيجة الحساسيات السياسية. ولكن في النفق المؤدي إلى غرف الملابس، تبادل بول برايتنر قميصه مع ذاك ليورغن سبارفاسر، وسيتبرّعان بهما من أجل عمل خيري، بعد 28 عاماً.

وأكد مهاجم منتخب ألمانيا الشرقية هانز يورغن كريشه، أن جميع لاعبي الفريقين "تبادلوا قمصانهم بعد صافرة النهاية"، مستدركاً أن ذلك لم يحدث "على الملعب، إذ كان ممنوعاً رسمياً".

وأضاف: "تحدثنا اللغة ذاتها. كانت معركة صعبة، ولكن عادلة. كان المسؤولون (في ألمانيا الشرقية) يأملون بألا يكون ذلك عاراً. لم يشعر اللاعبون بأي ضغط. على العكس من ذلك، كنا نتطلّع إلى مقارنة أنفسنا بالغرب. كان أمراً سعينا إلى تحقيقه مرات، لكن السلطات منعته دوماً".

بعد عقدين، أوقعت القرعة منتخبَي شطرَي ألمانيا مجدداً في مجموعة واحدة، خلال التصفيات المؤهلة لكأس الأمم الأوروبية عام 1992. لكن القدر جنّب الفريقين تجرّع الكأس ذاتها، إذ سقط جدار برلين عام 1989، وأُعيد توحيد ألمانيا في العام التالي.

تصنيفات