إسبانيا الجريحة... حين تتغلّب الأيديولوجيا على الكرة الحديثة

time reading iconدقائق القراءة - 2
لاعبو إسبانيا آيميريك لابورت وكارلوس سولير وبيدري وأليخاندرو بالدي بعد إهدار سيرجيو بوسكيتس ركلة ترجيح ضد المغرب - 6 ديسمبر 2022 - Reuters
لاعبو إسبانيا آيميريك لابورت وكارلوس سولير وبيدري وأليخاندرو بالدي بعد إهدار سيرجيو بوسكيتس ركلة ترجيح ضد المغرب - 6 ديسمبر 2022 - Reuters
دبي- إيلي هيدموس

لا شك أن تأهل المغرب إلى ربع نهائي كأس العالم يُعدّ إنجازاً تاريخياً، لكن خروج إسبانيا من ثمن النهائي يجب ألا يشكّل مفاجأة.

الفوز الساحق على كوستاريكا في دور المجموعات 7-0 أثار آمالاً غير واقعية بشأن قدرة المنتخب على الفوز باللقب، أو أقلّه بلوغ نصف النهائي أو النهائي.

التأهل لهذين الدورين يتطلّب مستوى كروياً يبدو أن التشكيلة الحالية لإسبانيا تعجز عن الارتقاء إليه. لكن المشكلة لم تبدأ مع لاعبي المدرب لويس إنريكي، إذ أن المنتخب لم يفز سوى بثلاث مباريات في كأس العالم، منذ إحرازه اللقب عام 2010، ضد أستراليا عام 2014 وإيران عام 2018 وكوستاريكا عام 2022.

كما أنه في حاجة ماسّة إلى مراجعة لأسلوب لعبه ومفهوم الاستحواذ، الذي تبدّى مجرد تبادل عقيم للتمريرات.

خلال المباراة ضد المغرب في مونديال قطر، لعبت إسبانيا 926 تمريرة، في مقابل 1008 خلال هزيمتها أمام روسيا في مونديال 2018، أيضاً بركلات الترجيح.

كما أن المنتخب لم يشكّل خطورة على مرمى المغرب، إذ سدد مرتين فقط خلال 129 دقيقة لعب، و9 مرات على مرمى روسيا خلال 128 دقيقة. واستحوذ الإسبان على الكرة 63%، في مقابل 21% للمغرب و16% بين المنتخبين.

والمفارقة أن اللاعبين الذين حضّهم لويس إنريكي على "تسديد ألف ضربة جزاء"، استعداداً للسيناريو الذي تحقق أمام المغرب، عجزوا عن التسجيل من 3 ركلات ترجيح.

مدرب إسبانيا لويس إنريكي بعد الهزيمة أمام المغرب - 6 ديسمبر 2022
مدرب إسبانيا لويس إنريكي بعد الهزيمة أمام المغرب - 6 ديسمبر 2022 - Reuters

قالب جامد

إسبانيا بدت خائفة من الهزيمة، بعد خسارتها أمام اليابان وتعادلها مع ألمانيا، علماً أن المدرب تعهد بأن المنتخب "لن يخاف، وسيخلق (فرصاً) أكثر من المنافس" ويفوز بالمباراة.

لكن لاعبيها بدوا مُذعنين للسيناريو الذي أعدّه المدرب، وأشبه بروبوتات مبرمجة سلفاً ولا يمكن تعديلها، إذ لم يحاولوا اختبار أمر جديد، بعدما اتضح لهم أن الخطة المرسومة لن تسعف المنتخب في الفوز.

ربما وحده البديل نيكو ويليامز حاول الخروج من القالب الجامد، بأسلوبه الحيوي، لكن الأمر لا يقتصر على لاعب واحد، بل يمسّ مجموعة، تفتقر إلى الشخصية والموهبة، اللتين ميّزتا لاعبين سابقين في المنتخب، ناهيك عن غياب شخصية القائد في الفريق.

أيديولوجيا راسخة

بعد الفشل قبل 4 سنوات، كانت الحجة أن إقالة المدرب جولين لوبيتيغي، بعد تعاقده لتدريب ريال مدريد إثر المونديال، ضعضعت اللاعبين ونسفت الخطط التكتيكية الموضوعة.

ولكن ماذا سيكون العذر الآن؟ المأساة أن لويس إنريكي ولاعبيه تجنّبوا بعد المباراة القيام بأي نقد ذاتي، متمسّكين بأسلوب لعبٍ، كما لو كان أيديولوجيا سياسية راسخة. ويتناسى هؤلاء أن كرة القدم في تطوّر مستمر، مثل الحياة ذاتها، وأن ما كان صالحاً قبل سنوات، لم يعُد كذلك الآن.

وقال لويس إنريكي بعد الهزيمة: "أنا أكثر من راضٍ عن فريقي. جسّد (اللاعبون) أفكاري وأسلوبي بشكل مثالي، ولا يسعني إلا أن أشيد بهم، على سلوكهم في كأس العالم برمتها". وأضاف: "سيطرنا على المباراة، لكننا افتقرنا إلى الهدف، هذا هو الواقع... لا فائدة من معاقبة النفس".

بل أن رودري اعتبر أن "المغرب لم يقدّم أي شيء إطلاقاً" خلال اللقاء، مضيفاً: "انتظروا فقط المرتدات. ظلّوا في مكانهم بالخلف. وحاولوا صدّ (هجماتنا)". أما فيران توريس فرأى أن "كرة القدم كانت جائرة مرة أخرى".

ساعد الدفاع الإسباني بيدري خلال المباراة ضد المغرب - 6 ديسمبر 2022
ساعد الدفاع الإسباني بيدري خلال المباراة ضد المغرب - 6 ديسمبر 2022 - Reuters

أسطورة الاستحواذ

قد يكون أداء المغرب دفاعياً خلال المباراة، لكن ذلك لا يعني إثارة تساؤلات في هذا الصدد، إذ أن لكلّ منتخب أو نادٍ أسلوبه في اللعب، ولا يعيبه ذلك، ما دام ملتزماً بقوانين اللعبة.

وبهذا المعنى، يمكن القول إن أسطورة استحواذ إسبانيا على الكرة باتت متقادمة، في ظلّ تفوّق اللعب العمودي السريع والقوة البدنية للاعبين.

صحيفة "أ ب ث" الإسبانية تحدثت عن أسلوب "أفقي يائس، وبطء شديد في التمريرات"، معتبرة أن اللاعبين المغاربة "حوّلوا الأجنحة إلى غرفة تعذيب للإسبان".

وأضافت أن أسلوب اللعب الإسباني "لم يكن هجومياً، ولم يأخذ المبادرة"، بل اقتصر على "السيطرة، والخوف، والاستحواذ على الكرة لئلا تكون لدى (المغاربة)". ووصفت ركلات الترجيح بأنها "كارثة إسبانية"، مشيرة إلى "هزيمة جديرة بأعظم دراما في كرة قدم".

ولفتت صحيفة "ماركا" إلى "إصرار على تقليد" المنتخب الفائز بمونديال 2010، مذكّرة بأن "كرة القدم تتخذ مساراً آخر" وتعتمد "سرعة مختلفة تحوّل أسلوبنا إلى عدمٍ".

وأضافت: "لسنا أفضل من المغرب. لا في هذا المونديال ولا في السابق... وإذا كنا أفضل (منهم)، فنحن عاجزون عن إظهار ذلك في اللحظات الحاسمة".

تحوّل بنيوي

قد يكون مجحفاً تحميل لاعبين ناشئين مسؤولية هزيمة إسبانيا، وكل ما سبقها، مثل غافي أو بيدري أو أنسو فاتي أو نيكو ويليامز. لكن كل الأجواء المحيطة بالمنتخب لا توحي بالثقة، في ما يعني أن إبدال لويس إنريكي بمارسيلينو تورال، مثلاً، لن يغيّر شيئاً، ما لم يقترن ذلك بتحوّل بنيوي.

لويس إنريكي ليس مدرباً عادياً، كما أن استقلاليته "الصدامية" لافتة، علماً أنها لا تثير انتقادات في وسائل الإعلام، كما كان يحدث مع مدربين آخرين.

لكن ثمة تساؤلات مشروعة بشأن التشكيلة التي اختارها للمونديال، وإشراك لاعبين قد لا يكونون في المستوى اللازم بالمنتخب، وإقصاء آخرين كان وجودهم سيشكّل إضافة للفريق، تجنّبه مهزلة أخرى.

تصنيفات