راقصو السامبا بلا إيقاع.. كيف فقدت كرة القدم البرازيلية سحرها؟

لاعبو منتخب البرازيل خلال مواجهة إسبانيا الودية - 26 مارس 2024 - Reuters
لاعبو منتخب البرازيل خلال مواجهة إسبانيا الودية - 26 مارس 2024 - Reuters
هاني الدرساني – ساو باولوالشرق

لطالما كانت كرة القدم في البرازيل أكثر من مجرد لعبة، هي شغف ينبض في قلوب الملايين وتعكس الهوية الثقافية لأمة بأكملها.

من الشواطئ الرملية في ريو دي جانيرو إلى الأحياء الفقيرة في ساو باولو، كانت البرازيل مهد كرة القدم الإبداعية التي أذهلت العالم بالأناقة والمهارة عبر أجيال متتالية. ولكن في السنوات الأخيرة، بدأت هذه الشمعة التي أضاءت عالم الكرة تخفت تدريجياً.

تراجُع الأداء وفقدان البريق أصبحا واقعاً مؤلماً للجماهير، فخلال أكثر من عقدين، ابتعدت الكرة البرازيلية عن منصات التتويج العالمية، وتعرضت لهزائم قاسية، باستثناء الفوز بلقب كوبا أميركا في 2019.

حتى على صعيد نجومها الكرويين، بهت أداؤهم، وزادت قضايا الفضائح والفساد التي طالت بعضهم.

هذه الأزمات تجاوزت حدود البساط الأخضر حتى وصلت إلى أروقة السياسية، ففي الأيام القليلة الماضية، خرج الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا وتحدث بشكل مباشر عن عدم رضاه عن أداء المنتخب في تصفيات كأس العالم الحالية.

وقال الرئيس البرازيلي: "لقد تحدثت إلى رئيس اتحاد كرة القدموسألته: لماذا لا يكون لدينا منتخب من اللاعبين المحليين فقط؟. اللاعبون في الخارج لا يمتلكون سمة القائد. لا أرى فيهم غارينشا أو روماريو. لدينا الكثير من الشباب الذين سينجحون إذا أعطيت لهم الفرصة".

أسباب تراجع الأداء

في لقاء مع الشرق، أشار المحلل الرياضي البرازيلي غوتو مونتي إلى وجود عدة عوامل أدت إلى فقدان المنتخب البرازيلي مكانته إقليمياً ودولياً، وأجمَلَها في 3 نقاط رئيسية:

النقطة الأولى: فقدان الهوية

يقول غوتو: "الكثير من اللاعبين فقدوا انتماءهم لهوية الكرة البرازيلية. تاريخياً، تعتبر البرازيل مصدراً لمواهب كرة القدم العالمية، ومع مرور الوقت شكلت الأسواق الأوروبية واللاتينية وحتى العربية عوامل جذب مهمة للنجوم البرازيليين. ففي عام 2023، استحوذ البرازيليون على 10% من إجمالي سوق الانتقالات لكرة القدم الدولية، أي ما يعادل 935 مليون دولار أميركي. ومع تزايد خروج اللاعبين، فقد معظمهم DNA الكرة البرازيلية، وهنا أقصد طريقة اللعب التي تميزنا، وخاصة المهارة الفردية والسرعة مقارنة بالأجيال السابقة".

وتابع: "ففي العقدين الماضيين، كان متوسط أعمار اللاعبين الذين يغادرون إلى دوريات أجنبية يتراوح بين 23 و24 عاماً، أما اليوم، فنشهد مغادرة مبكرة للعديد من اللاعبين وهم في أعمار تتراوح بين 16 و18 عاماً. هؤلاء اللاعبون، وعلى الرغم من امتلاكهم قدرات مميزة، إلا أنهم لم يقضوا وقتاً كافياً في الدوريات المحلية، وبالتالي يذهبون إلى دوريات حيث يتوجب عليهم التأقلم مع تقنيات لعب تعتمد على التكتيك واللياقة أكثر من المهارة والسرعة".

حسرة رودريغو لاعب البرازيل بعد ضياع إحدى الفرص أمام باراغواي في تصفيات كأس العالم - 11 سبتمبر 2024
حسرة رودريغو لاعب البرازيل بعد ضياع إحدى الفرص أمام باراغواي في تصفيات كأس العالم - 11 سبتمبر 2024 - REUTERS

النقطة الثانية: تطوير أفكار المدربين

وقال المحلل البرازيلي أيضاً: "كرة القدم تشهد تطوراً كبيراً، وخاصة من الناحية الفنية. نرى أن الكثير من المدربين البرازيليين ما زالوا يعتمدون على أساليب قديمة، ولا يواكبون تطورات التكتيك الحديث مثل الضغط العالي والتعامل مع المساحات. أوروبا أصبحت الوجهة الأولى لأفضل المدربين الذين يطورون اللاعبين بشكل تكتيكي، بينما تفتقر البرازيل إلى تجديد الأفكار والأساليب الفنية على مستوى المدربين، مما يؤثر على الأداء الدولي وحتى المحلي".

النقطة الثالثة: نقص الاستثمار في مراكز التدريب

وتابع غوتو حديثه للشرق: "نقص الاستثمار في مراكز التدريب والأكاديميات الحديثة يؤثر سلباً على تطوير اللاعبين والمدربين على حد سواء. البنية التحتية غير المتطورة تقلل من قدرة الشباب على الوصول إلى مستويات عالية من التدريب الاحترافي، مما يجعل الكرة الأوروبية تتطور بسرعة أكبر".

نظرة تفاؤلية

خلال السنتين الماضيتين، شهد المنتخب البرازيلي تعاقب 4 مدربين على منصب المدير الفني. فبعد إقالة المدرب تيتي، تم تعيين رامون مينيزيس ثم فرناندو دينيز، وأخيراً دوريفال جونيور.

وحول هذا الموضوع، قال أثيرسون أوليفيرا، لاعب المنتخب البرازيلي السابق (1999-2003)، في لقاء مع الشرق: "بعد خروج البرازيل من نهائيات كأس العالم الأخيرة التي أقيمت في قطر، بقي المنتخب لفترة طويلة بدون مدرب ودون معرفة واضحة لما سيحدث في المستقبل. كان هناك حديث عن وصول كارلو أنشيلوتي لتولي مهمة التدريب، ولكن هذا الأمر لم يحدث".

وتابع: "في الأشهر الأخيرة، ومع تولي  جونيور المسؤولية، بدأنا نشعر بتغير إيجابي، ولو بشكل بسيط في أداء المنتخب. دوريفال يتمتع بأسلوب لعب مثير للاهتمام، لكنه يحتاج إلى الوقت للعمل. سيحتاج إلى المزيد من المباريات ليتمكن من إيصال أفكاره للاعبين".

مدرب البرازيل دوريفال جونيور بعد المباراة ضد كولومبيا  في كوبا أميركا - 2 يوليو 2024
مدرب البرازيل دوريفال جونيور بعد المباراة ضد كولومبيا في كوبا أميركا - 2 يوليو 2024 - ٌReuters

ويكمل أثيرسون حديثه: "في آخر مباراتين من تصفيات كأس العالم 2026، حقق المنتخب الفوز وصعد في الترتيب ليصبح في المركز الرابع، خلف كل من المتصدر الأرجنتين وكولومبيا الوصيف، والأوروغواي".

وأضاف: "هذا التطور الإيجابي يدفع إلى التفاؤل، خاصة وأن دوريفال جونيور بدأ يعتمد على 6 عناصر شابة وجديدة في المنتخب، وهم من لاعبي الدوري المحلي. مثل المهاجمين لويس إنريكي وإيغور جيسوس من فريق (بوتافوغو)، ولاعبي الوسط ماتيوس بيريرا (كروزيرو) وجيرسون (فلامينغو)، بالإضافة إلى الظهير أليكس تيليس (بوتافوغو) والمدافع فابريسيو برونو (فلامينغو)."

وختم أثيرسون حديثه للشرق: "نعلم جميعاً أن هذا يحدث فرقاً كبيراً في استمرارية العمل، ونتمنى بالتأكيد أن يتمكن المنتخب من التعافي في التصفيات واستعادة مكانته البارزة، لأن البرازيل دائماً ما تكون مرشحة قوية في جميع البطولات".

تصنيفات

قصص قد تهمك