يعيش نادي برشلونة على وقع الأزمة المالية التي صارت تطارده كل موسم، وتسبب له المتاعب من أجل تسجيل اللاعبين الجدد آخرهم داني أولمو بطل أوروبا مع المنتخب الإسباني القادم من لايبزيغ في الميركاتو الصيفي الحالي.
وكان أولمو مطلوباً بشدة في كبار أندية أوروبا في مقدمتهم بايرن ميونيخ الألماني قبل أن يُقدم على الانضمام إلى برشلونة رغم عدم وجود ضمانات بتسجيله في رابطة الدوري الإسباني من البداية.
ورصدت صحيفة "ماركا" الإسبانية تقريراً مُفصلاً يُفسر تفاصيل القانون الذي بات يُشكل هاجساً للجمهور والأندية على حد سواء.
انتعاش صفقات الأندية الإسبانية
رغم القانون الصارم الذي تفرضه رابطة الدوري الإسباني حول قانون اللعب المالي النظيف، فإن الأندية تمكنت خلال الميركاتو الصيفي الحالي من إنفاق 519 مليون يورو مع بقاء خمسة أيام متبقية على نهاية فترة سوق الانتقالات في إسبانيا، وهو ما يُعادل ما أنفقته أندية الليغا خلال الموسم الماضي على الانتقالات الصيفية والشتوية معاً.
هل تتعمد رابطة الليغا إلحاق الضرر ببرشلونة؟
مع كل فترة انتقالات يتساءل المشجع عن ما يجري داخل الأندية، والتي تضطر في الكثير من الأحيان لإجراء حسابات مالية دقيقة وفقاً لبرتوكولات الرقابة الاقتصادية، الأمر الذي يتسبب في تعطيل الصفقات وإغضاب الجماهير، وتأتي وضعية نادي برشلونة في كل موسم لتزيد من حدة التساؤلات التي تصب في خانة واحدة، هل تسعى رابطة الدوري الإسباني "لا ليغا" إلحاق الضرر بالنادي الكتالوني، أو تحاول حمايته من تهور الإدارات المتعاقبة؟
اللعب المالي النظيف.. شرح بسيط وآخر قانوني
أصبح اسم برشلونة مرادفاً لقانون اللعب المالي النظيف الذي صار يقيد النادي في كل فترة انتقالات، وفيما يخص هذا القانون فإن لديه تعريف مبسط وهو حث الأندية على أن تكون الإيرادات أعلى من النفقات لتجنب الإفلاس من جهة أو الدخول في مشكلات قانونية.
أما على الصعيد القانوني، فهي تتضمن الكثير من المتغيرات حسب الدوري وقوانين الدولة التي ينشط فيها، ففي وقت سابق كان أي نادٍ إسباني يسجل خسائر مالية، فإنه يدفع قيمتها في الموسم الموالي من خلال تخفيض سقف الرواتب للنادي، إذا كانت الخسائر 10 ملايين يورو فإن كتلة الرواتب الإجمالية المدفوعة يجب أن تخفض بشكل حتمي بـ 10 ملايين يورو في الموسم الذي يليه.
هناك أيضاً نقطة مهمة تتعلق بفاتورة الرواتب الخاصة باللاعبين والفنيين والموظفين، والتي لا يجب أن تتجاوز 60% من الميزانية العامة للنادي.
على عكس إسبانيا، فإن الدوري الإنجليزي الممتاز يفرض على الأندية أن لا تتجاوز خسائرها 105 مليون جنيه إسترليني في 3 مواسم متتالية كحد أقصى، وما دام النادي يسجل خسائر تحت هذا المعدل، فإنه سيكون قادراً على تسجيل لاعبيه بشكل عادي.
خطة زيادة رأس المال.. أتلتيكو مدريد مثالاً
بإمكان أي نادٍ الرفع من سقف الأجور الخاص به ولكن من خلال المرور ببعض الخطوات على غرار ما فعله نادي أتلتيكو مدريد الذي كان نشطاً للغاية خلال الميركاتو الحالي من خلال جلب لاعبين بمبالغ كبيرة، ولكن كيف فعل ذلك موازاة مع احترام قانون اللعب المالي النظيف؟
خلال شهر يونيو الماضي قامت إدارة "الروخي بلانكوس" بزيادة رأس مال الفريق بمقدار 70.7 مليون يورو وهو ما مكنه من التحرك بحرية كبيرة في سوق الانتقالات.
الإنفاق القانوني بعد زيادة رأس المال
بما أن قانون اللعب المالي النظيف "مُلغم" بالتساؤلات، فإن إحداها يقود إلى التالي، هل الزيادة في رأس المال تعني الحرية المطلقة، والإجابة هي أن أتلتيكو مدريد يعتبر من الفرق ذات الوضع الاقتصادي الأفضل نسبياً والمصنفة في المجموعة "A"، ما مكنه من تخصيص المبلغ كاملاً من الزيادة التي اعتمدها في رأس المال في تحسين سقف الرواتب.
في وقت سابق كان بإمكان الأندية التي تندرج في المجموعة "A" تخصيص 80% من الزيادة في رأس المال على مدار 4 مواسم لتحسين سقف الرواتب، ولكن حالياً يمكن الاستفادة من هذا المبلغ بنسبة 100% وفي غضون موسمين بدلاً من أربعة.
وفي حالة أتلتيكو مدريد، فإنه كان سيرفع من سقف الرواتب بـ 14 مليون يورو كل موسم فقط بحسب القاعدة السابقة، ولكنه حالياً قادر على الرفع من سقف الرواتب بـ35.35 مليون يورو خلال الموسم الحالي ونفس المبلغ الموسم المقبل، كما يمكنه أيضا تخصيص جزء من هذا المبلغ في تطوير البنية التحتية.
على عكس فرق المجموعة "A" التي تتمتع بوضع اقتصادي جيد، فإن الأندية الأخرى ذات الوضع الاقتصادي السيء في الفئتين "B" وأيضاً "C" لن تستطيع سوى استثمار ما بين 90% و70% على التوالي من الزيادة في رأس المال.
النسبة والتناسب بين الصفقات وسقف الرواتب
تعتبر صفقات الشراء التي يقوم بها النادي ركيزة مهمة في الرفع من سقف الرواتب، لكن تفسير العملية قد يصعب على المشجع العادي، حيث لا يتم احتساب تكلفة التوقيع لأي لاعب دفعة واحدة في سقف الرواتب للفرق في إسبانيا.
يتم تقسيم المبلغ على مدة العقد، على سبيل المثال، إذا تعاقد أي نادٍ مع لاعب بـ10 ملايين يورو لمدة 5 مواسم، فإن مبلغ 2 مليون يورو (نسبة قيمة الانتقال لموسم واحد) سيضاف إلى راتبه الذي يتلقاه، وهكذا يتم الحصول على الراتب العام في الحسابات الخاصة بهذا اللاعب.
أما في حالات البيع، فإنه يجب التمييز بين المبلغ الذي يجنيه النادي مباشرة من الصفقة وبين مكاسب رأس المال، وعلى سبيل المثال في حالة المهاجم سامو أوموروديون الذي انتقل من أتلتيكو مدريد إلى بورتو البرتغالي.
خلال الموسم الماضي وصل اللاعب إلى تشكيلة المدرب دييغو سيميوني من غرناطة مقابل 6 ملايين يورو بعقد يمتد 5 مواسم.
وبالتالي سيتم احتساب 1.2 مليون يورو رفقة راتبه في حسابات الرواتب، ولكن أوموروديون رحل بعد موسم واحد ما يعني أن أتلتيكو مدريد خسر مبدئيا مبلغاً في لاعب لم يكمل عقده، وتصل قيمة الخسارة المبدئية إلى 4.8 مليون يورو.
ولكن مع بيع اللاعب أوموروديون بمبلغ 15 مليون يورو إلى بورتو البرتغالي يكون نادي أتلتيكو مدريد قد حقق مكسباً في رأس المال يصل إلى 10.2 مليون يورو.
قيود تعرقل الرفع من سقف الرواتب
المكاسب الرأسمالية من بيع اللاعبين لا تسمح لكل فريق بزيادة سقف الرواتب بشكل آلي، حيث يؤخذ في الاعتبار متوسط أرباح كل نادٍ من الانتقالات في المواسم الثلاثة الأخيرة، وبمجرد تحقيق مبيعات بمبلغ معين، يمكن زيادة مكاسب رأس المال الجديدة، وبالتالي يمكن الرفع من سقف الرواتب.
على سبيل المثال الفريق الذي لديه في المتوسط أرباح في الانتقالات تبلغ 50 مليون يورو، إذا حقق مكاسب رأسمالية قدرها 60 مليون يورو من بيع اللاعبين، فإن حد سقف الرواتب سيزيد بمقدار 10 ملايين يورو.
أتلتيكو مدريد يقدم درساً مجانياً في التوازن المالي
خلال الميركاتو الصيفي الحالي أنفق أتلتيكو مدريد أكثر من 184 مليون يورو على لاعبيه الجدد للتعاقد مع خوليان ألفاريز (75 مليون يورو من دون احتساب الإضافات)، كونور كالاغر (42 مليون يورو)، روبين لو نورماند (34.5 مليون يورو) وألكسندر سورلوث (32 مليون يورو).
بعد التعاقد مع هؤلاء اللاعبين كان يتعين على أتلتيكو مدريد إضافة 35.8 مليون يورو سنوياً (مبلغ الصفقات الكلي على عدد المواسم) لقيمة رواتب هؤلاء اللاعبين في موسم واحد، وهو رقم مماثل تقريباً للمبلغ الذي ضخه الروخي بلانكوس من خلال زيادة رأس ماله 35.35 مليون يورو للموسم الواحد، مما يدل على أنه لولا هذا الجهد من قبل المساهمين، لكان من المستحيل الحصول على هذا القدر والمستوى من الصفقات.
حالة برشلونة المستعصية عن الحل
المأزق المالي الذي يعاني منه برشلونة يعود أساساً إلى تجاوز سقف الرواتب الحد اللازم وهو ما يجعل الإدارة عاجزة عن السداد؛ وبالتالي تقوم رابطة الدوري الإسباني بتقييد تسجيل اللاعبين الجدد وهو ما يحدث في قضية اللاعب داني أولمو، ولن يستطيع النادي تسجيله إذا لم يبذل مجهوداً مالياً لتحقيق الاستقرار في الحسابات إما من خلال جلب مزيد من إيرادات الرعاية أو بيع اللاعبين.
تنص القاعدة الحالية على أنه إذا تمكن النادي من تخفيض سقف الرواتب عن طريق بيع أو إعارة لاعب، فسيسمح له بإنفاق 60٪ أو 70٪ من المبالغ التي يمكن توفيرها.
لماذا لم يستفد برشلونة من رحيل غوندوغان؟
بعد رحيل إيلكاي غوندوغان مجاناً لنادي مانشستر سيتي، فإن النادي الكتالوني يكون قد وفر ما يقارب 10 ملايين يورو من راتبه سنوياً بعد الضرائب ولأن النادي يعاني رقابة اقتصادية، بإمكانه استخدام 7 ملايين يورو (70% من راتب غوندوغان) سعياً منه لتسجيل أولمو.
تم التعاقد مع أولمو مقابل 60 مليون يورو تقريباً لمدة 6 مواسم، راتب أولمو الذي سيتم تدوينه في الحسابات مكون من شطرين (9 ملايين تقريباً نسبة الصفقة في كل موسم، بالإضافة إلى راتبه دون ضرائب والذي يصل إلى 4.5 مليون يورو) ما يعني أن المبلغ الذي تم توفيره من صفقة غوندوغان غير كافية لتسجيل الدولي الإسباني.
يسارع نادي برشلونة الخطى للبحث عن حلول مالية تضمن له تسجيل أولمو بدلاً من كريستنسن المٌصاب قبل مواجهة رايو فايكانو، الثلاثاء على ملعب هذا الأخير ضمن الجولة الثالثة من الدوري الإسباني
نايكي.. حبل نجاة النادي الكتالوني
كل هذه التعقيدات المالية تجعل نادي برشلونة في وضعية مفخخة هذا الموسم وفي المواسم المقبلة إذا لم يتم إيجاد حلول جذرية، وفي هذا السياق، تتطلع إدارة لابورتا إلى تحسين العقد مع شركة نايكي للألبسة من أجل زيادة الإيرادات المالية مستقبلاً وإذا لم يتم ذلك فإن برشلونة سيبقى دائماً تحت قبضة قوانين اللعب المالي النظيف لرابطة الدوري الإسباني.