لم تكن نافورة سيبيليس في وسط مدريد مكاناً للاحتفال باللقب الخامس عشر في تاريخ ريال مدريد ببطولة دوري أبطال أوروبا فحسب، فقد تعالت صيحات جمهور النادي الملكي باسم كيليان مبابي ترحيباً بوصوله بعد 5 جولات فاشلة من أجل ضمه في الأعوام الماضية بمبالغ طائلة إلى أن حان الوقت لمجيئه بالمجان.
خطف وصول كيليان مبابي إلى ريال مدريد الأضواء من احتفالات لقب دوري الأبطال، وأفسد أيضاً فرحة جمهور نادي ليغانيس العائد إلى الليغا بعد غياب 4 أعوام، فقد جاء تأهله في نفس ليلة إعلان تفاصيل صفقة مبابي، فلم يأخذ خبر التأهل المساحة التي يستحقها.
لماذا كل هذا الصخب بسبب مبابي؟ حتى وقت قريب، كان لدى محبي الدوري الإسباني ميزة التنافس الثنائي بين ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو على الكرة الذهبية على مدار أكثر من عقد من الزمن، لكن بعد وصول مبابي ستتضاعف المنافسة بين اللاعبين على الجوائز الفردية، وستعود شعبية الكلاسيكو من جديد.
كانت السيطرة الإسبانية سابقاً ممتدة إلى التشكيل المثالي لـ FIFPRO في كل موسم تقريباً، لدرجة أنها كانت توصف في بعض الأحيان بـ "أفضل تشكيلة للكلاسيكو".
التشكيلة لم تخل لفترة من لاعبي ريال مدريد وبرشلونة الذين كانوا في ذروتهم الكروية مثل كاسياس وراموس وبيكيه وتشافي وإنييستا وبوسكيتس وتوني كروس ومودريتش ونيمار وسواريز وكريم بنزيما، وبالطبع رونالدو وميسي بشكل ثابت.
نيمار وبداية الانهيار
لكن معظم هؤلاء النجوم انتقلوا، والبداية كانت برحيل نيمار عن برشلونة إلى باريس سان جيرمان عام 2017، ومثلت تلك الخطوة ضربة قوية لليغا، وبعد سنة واحدة تضاعف الأمر بخروج رونالدو إلى يوفنتوس.
وربما كان انتقال ميسي المجاني إلى باريس سان جيرمان عام 2020 هو الأكثر صعوبة، فلم يتقبله جمهور الليغا عموماً وبرشلونة خصوصاً، لكنه كان ضرورياً كي لا يتعرض برشلونة للإفلاس.
منذ ذلك الحين كان النجوم الذين يولدون الإثارة الأكثر ويعززون تسويق الليغا من اللاعبين صغار السن الذين لم يصلوا بعد إلى ذروة نشاطهم.
وراهن ريال مدريد على التعاقد مع الثنائي البرازيلي رودريغو غوس وفينيسيوس جونيور في سن المراهقة، وقد أتت تلك الصفقة بثمارها بشكل جيد مع الوقت.
وفي برشلونة كان أكثر اللاعبين المفضلين لدى الجمهور في السنوات الأخيرة هو أنسو فاتي وبيدري وغافي ولامين يامال وباو كوبارسي، وجميعهم صغار للغاية من حيث السن والإنجازات والخبرات.
صحوة الليغا بعد رونالدو وميسي
عملت أندية الليغا على النهوض من سباتها العميق أمام السيطرة الإنجليزية والألمانية والإيطالية والفرنسية على النجوم، وبدأت عملية جذب الأسماء الكبيرة بين عامي 2023 و2024.
مجيئ روبرت ليفاندوفسكي ورافينيا وجواو كانسيلو أحيا الأمل في إمكانية متابعة برشلونة من جديد، على الرغم من المشاكل المالية التي يعاني منها النادي الكتالوني.
وتزامن مع عودة برشلونة وتتويجه بلقب الليغا، استعادة أنطوان غريزمان لمستواه المعهود رفقة أتلتيكو مدريد، وكذلك الحال بالنسبة للاعبين الأرجنتينيين الفائزين بكأس العالم 2022 مثل رودريغو دي بول وناهويل مولينا.
وكان قرار جود بيلينغهام في الصيف الماضي بالانضمام إلى ريال مدريد بدلاً من مانشستر سيتي أو ليفربول، بمثابة دفعة تسويقية كبيرة للدوري الإسباني.
وأدت السنة الأولى المذهلة للشباب الإنجليزي في الليغا إلى زيادة مذهلة في شعبيته بين جمهور ريال مدريد حول العالم.
ثم جاءت خطوة أخرى نحو الأمام بانتقال كيليان مبابي إلى ريال مدريد، فاللاعب الفرنسي صاحب الـ 25 عاماً أكبر نجم في بلاده وأحد نجوم الصف الأول حول العالم، وهو اسم مألوف للغاية منذ عام 2018 بسبب خوضه لنهائيين لكأس العالم مع الديوك.
ويساعد الملف التجاري والتسويقي الهائل الذي يتمتع به كيليان مبابي في تفسير السبب الذي دفع رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز إلى الضغط بشدة للحصول على توقيعه خلال العقد الماضي.
حتى أن بيريز قرر عدم التحرك لضم كبار المهاجمين الآخرين بما في ذلك إيرلينغ هالاند وهاري كين لتوفير المال لجعل توقيع مبابي حقيقة بعد انتهاء عقده مع باريس سان جيرمان.
مواقع التواصل الاجتماعي لها رأي
تعد مقارنة متابعات مواقع التواصل الاجتماعي، طريقة بدائية، لكنها مفيدة لقياس شهرة اللاعبين وقوة الدوريات.
لا يزال كريستيانو رونالدو يربع على عرش أشهر لاعب كرة قدم حول العالم بإجمالي 631 مليون متابع، على جميع منصات التواصل الاجتماعي.
ويتبع رونالدو كل من ليونيل ميسي بـ 503 ملايين، ونيمار بـ 222 مليوناً، وهم الثلاثة الأكبر على إنستغرام، على الرغم من انتهاء مسيرتهم المهنية في الدوريات الأقل تطلباً.
ومن بين اللاعبين الذين ما زالوا في أوج تألقهم ويلعبون على أعلى مستوى، كيليان مبابي بكل تأكيد، فهو الأكثر شعبية على الإطلاق بـ 117 مليون متابع على إنستغرام، بعد أن أصدر العلامة التجارية الخاصة به "مبابي" في السنوات الأخيرة.
على النقيض من ذلك، يمتلك زميله الجديد في ريال مدريد فينيسيوس جونيور 48 مليوناً، ومواطنه غريزمان 41 مليوناً، وهداف برشلونة ليفاندوفسكي 36 مليوناً.
وزادت أرقام بيلينغهام بسرعة قياسية خلال العام الحالي بسبب ريال مدريد، لكن متابعيه يبلغ عددهم 32 مليون متابع على المنصة أقل من ثلث إجمالي متابعي مبابي حتى بعد انتهاء موسمه الأول المثير للإعجاب على سانتياغو برنابيو والذي توجه بدوري أبطال أوروبا والدوري الإسباني.
وبنى مبابي هذا الملف الشخصي الجذاب، على الرغم من أنه لعب كل مسيرته الكروية في الدوري الفرنسي، حتى أكبر نجوم الدوري الإنجليزي لا يمكنهم مُجاراة انتشاره العالمي، بما في ذلك المصري محمد صلاح هداف ليفربول الأول على مدار 7 أعوام، حيث يصل متابعيه على إنستغرام 63 مليوناً.
ورغم كل الأهداف التي يسجلها هالاند، لديه 39 مليون متابع، ومهاجم بايرن ميونيخ وقائد إنجلترا هاري كين لديه 17 مليوناً فقط.
هل تأثرت الليغا اقتصادياً برحيل رونالدو وميسي؟
بدأت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي في الدوري الإسباني في العمل عندما أعلن ريال مدريد وصول مبابي يوم الاثنين، ولاقى الخبر إشادات واسعة، وتذكر الجميع رسومات الماضي الجميل الخاصة بـ الغلاكتيكوس.
ولعبت الصور القديمة لمبابي بقميص ريال مدريد، ومع بوسترات نجوم النادي الملكي، خاصةً كريستيانو رونالدو دوراً هاماً في حصول أحد المنشورات على 20 مليون إعجاب في غضون 24 ساعة من نشر التغريدة.
وبمجرد أن يبدأ اللعب بقميص ريال مدريد من المؤكد أن أعداد متابعيه سترتفع أكثر.
وأصر رئيس الدوري الإسباني خافيير تيباس في وقت سابق أن رحيل ميسي ورونالدو لم يضر الدوري مالياً، لأن ما يجعل الدوري قوياً هو مستواه الفني العام وقدرته التنافسية.
وقال تيباس لصحيفة أولي الأرجنتينية الشهر الماضي "إن وجود منافسة كبيرة لا يقتصر فقط على وجود لاعبين رائعين، بل عليك أن تفعل الكثير، ونحن قمنا بعمل كبير بشكل دائم، وظهر العديد من اللاعبين الجدد، في برشلونة يوجد صغار مثل يامال وبيدري وغافي، وفي مدريد فينيسيوس وبيلينغهام، ومبابي سيأتي".
واستمرت الإيرادات الإجمالية للدوري الإسباني في النمو رغم مغادرة ميسي ورونالدو وغيرهم من أساطير، وأعلنت الليغا في أبريل الماضي إجمالي إيرادات قياسية بلغت 5.7 مليار يورو ما يعادل 6.2 مليار دولار لموسم 2023/2022، بزيادة قدرها 18٪ عن العام السابق، متجاوزاً أعلى مستوى له قبل كوفيد-19، البالغ 5.1 مليار يورو.
كما ارتفع إجمالي الإيرادات التجارية لليغا بنسبة 29٪ في أحدث حساباته بينما شهد موسم 2023/2022 حضور أكثر من 15 مليون مشجع لمباريات الدوري الإسباني وهو رقم قياسي آخر، ومن المؤكد أن وصول مبابي سيساعد في جذب المزيد من الرعاة والمشجعين الجدد نحو الليغا ويضاعف أكثر من شعبيته حول العالم.
