خلف الأسلاك الشائكة.. ألعاب أولمبية في السجون النازية خلال الحرب العالمية الثانية

time reading iconدقائق القراءة - 2
العلم الأولمبي بجوار مقر اللجنة الأولمبية الدولية - AFP
العلم الأولمبي بجوار مقر اللجنة الأولمبية الدولية - AFP
دبي-محمد شقير

بعد أسابيع قليلة من اجتياح القوات النازية بولندا في سبتمبر من عام 1939، أُجبر 500 ضابط بولندي أسير على العمل بالقرب من بلدة فولدنبيرغ الحدودية، لبناء مساكنهم الجديدة أي معسكر أسرى الحرب.

وفي الوقت الذي تم فيه الانتهاء من البناء على مساحة 60 فداناً عام 1942، كان المعتقل قد أصبح مدينة مصغرة عدد سكانها يقارب 7 آلاف نسمة، هذه المدينة تضم مكتباً للبريد أيضاً.

على عكس السجناء الآخرين في المعتقلات النازية، كان الضباط البولنديون خلف أسوار معتقل فولدنبيرغ يتمتعون ببعض الامتيازات، فيمارسون الرياضات المختلفة، ويدرسون الفلسفة والقانون والرياضيات، على يد الضباط الذين كانوا أطباء وأساتذة في حياتهم المدنية.

عندما تم إلغاء دورة الألعاب الأولمبية التي كانت مقررة في لندن عام 1944 كما حدث في الدورة التي سبقتها عام 1940 في طوكيو، تقدم السجناء بطلب لإقامة ألعابهم الأولمبية الخاصة. وبالفعل وافقت القيادة الألمانية للمعسكر على طلبهم ولكنها منعتهم من ممارسة رياضات المبارزة والرماية ورمي الرمح والقفز بالزانة، لضرورات أمنية.

وفقاً لمجلة "الجمعية الدولية للمؤرخين الأولمبيين"، فقد قام السجناء بطبع برنامج أولمبي ملون يضم رياضياً متوجاً على الغلاف، وأدرجت فيه الأحداث الرياضية وأسماء المنافسين، كما تم إصدار تذاكر للمتفرجين للجلوس في مقاعد المدرج، حتى إن مكتب بريد المعتقل أصدر طابعاً تذكارياً يصوّر عدّاء يخترق شريط خط النهاية.

حفل الافتتاح

في 23 يوليو عام 1944، تجمع نحو 6 آلاف سجين في ملعب كبير داخل المعتقل لحضور حفل الافتتاح. آنذاك رُفع العلم الأولمبي الوحيد في العالم، الذي صنعه السجناء من ملاءة بيضاء وأوشحة ملونة، شكلت الحلقات الأولمبية المتشابكة. في ذلك الوقت قام السجناء والسجانون بتحية الراية الأولمبية أثناء رفعها عالياً.

خلال 21 يوماً، تنافس السجناء في كرة القدم، كرة السلة، الكرة الطائرة، كرة اليد ورياضات ألعاب القوى المختلفة، إضافة إلى مسابقات أخرى. ووفقاً لما كتبته إيفونا غريس مديرة متحف الرياضة والسياحة في مدينة وارسو، فقد شارك 369 سجيناً في 464 مسابقة، أي أن بعض الأسرى شاركوا في أكثر من رياضة واحدة. وبحسب ما كان سائداً في الألعاب الأولمبية آنذاك، فقد تم تنظيم مسابقات في الأحداث الثقافية مثل الرسم والنحت والموسيقى، وحصل الفائزون على شهادات وميداليات مصنوعة من الورق المنقوش.

وبحسب ما كتبته غريس، فإن أسرى الحرب في فولدنبيرغ ليسوا أول من نظم ألعاباً تشبه الألعاب الأولمبية في السجون النازية، فقد قام جنود من بلجيكا، فرنسا، بريطانيا، النروج، روسيا ويوغوسلافيا كانوا معتقلين في ستالاغ بالقرب من نورنبيرغ في ألمانيا عام 1940، بتنظيم منافسات رياضية كانت سرية دون علم معتقليهم، وقام السجناء بصنع علم من قميص أحد الأسرى، واستخدموا أقلام التلوين لرسم الحلقات الأولمبية.

عودة الحرب

بعد فترة الألعاب الأولمبية داخل معتقل فولدنبيرغ، والراحة القصيرة التي نعم بها السجناء، عاد مشهد الحرب من جديد. وبعد سيطرة القوات السوفييتية في فولدنبيرغ في يناير 1945، أجبر النازيون السجناء على السير مئات الكيلومترات في ظروف مناخية قاسية من أجل الاستيطان في معسكر آخر، ولكن عندما تمكنت القوات الأميركية من تحرير السجناء في أبريل 1945، كان قد بقي 300 معتقل فقط من سجن فولدنبيرغ على قيد الحياة.

نجا 300 رجل فقط من أصل أكثر من 6 آلاف معتقل من سجن فولدنبيرغ، ونجا معهم العلم الأولمبي المؤقت، كما بقي العلم الأولمبي من معسكر ستالاغ صامداً أيضاً. العلمان الآن موجودان في متحف الرياضة والسياحة في بولندا، إلى جانب بعض القطع الأثرية من ألعاب أسرى الحرب.