"لا أحد يريد أن يكون مثل جاري نيفيل".. قال جيمي كاراجر قلب دفاع ليفربول السابق هذه الجملة الشهيرة في سياق الحديث عن "الظهير" أحد المراكز المهملة في كرة القدم.
التاريخ الحديث لكرة القدم لم يعرف هذا المركز في بداياته. وبعد ظهوره كان قاصرًا على المهام الدفاعية لكنّه تطور بشكل كبير ومتسارع في السنوات الأخيرة حتى أصبح أحد أهم المفاتيح الهجومية لمختلف الفرق.
نكهة برازيلية
لم تكن الفرق تهتم كثيرًا بالدفاع في السنوات الأولى من عمر كرة القدم في نهايات القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين. وكان خط الدفاع يضم في الأغلب لاعبين فقط، ومع تطور الوقت بدأت تعتمد على ثلاثة لاعبين في خط الدفاع.
حتى عام 1958 لم يكن لمركز الظهير وجود. وفي المونديال الذي احتضنته السويد هذا العام أضاف منتخب البرازيل لاعبًا رابعًا إلى خطه الخلفي، وخاض البطولة التي توج بلقبها بطريقة لعب (4-2-4) التي كتبت شهادة ميلاد مركز الظهير full back .
لاحقًا طورت العديد من المنتخبات الأوروبية طرق لعبها معتمدة على رباعي في الخط الخلفي، وظهرت طرق لعب مثل (4-3-3) و(4-4-2) واعتمدت جميعها على ظهيرين أيمن وأيسر يتواجدان على أقصى طرفي الملعب ومهام كل منهما دفاعية في المقام الأول.
لم يحظَ المركز بشعبية تذكر في بداياته.وكان اللاعبون لا يفضلون التواجد على طرف الملعب بعيدًا عن العمق مع التقيد بمهام دفاعية كثيرة.
وكما كان للبرازيليين الفضل في ظهور هذا المركز، كان لهم الفضل لاحقًا في تطويره وزيادة مهامه الهجومية، وأول الوجوه التي تحررت إلى حد كبيرٍ من المهام الدفاعية للظهير وقدمت إضافة هجومية كبيرة كان كارلوس ألبرتو الذي قدم مع راقصي السامبا أداءً مميزًا في مونديال 1970.
فينغر والمهام الجديدة
هناك جملة تتردد كثيرًا لوصف الظهير: "هو لاعب فشل في أن يكون مدافعًا، وفشل في أن يكون جناحًا". وتلخص هذه الجملة إشكالية الظهير لسنوات طويلة، فهو لاعب يتواجد على طرف الملعب دون أن يهاجم. يدافع لكنّه ليس كقلب الدفاع المسؤول المباشر عن التصدي للهجمات وحماية حارس المرمى.
أحد المدربين الذين ساهموا في تغيير هذه الفكرة هو الفرنسي آرسين فينغر حين انتقل لقيادة آرسنال عام 1996. عقب توليه قيادة الفريق طالب فينغر ظهيريه لي ديكسون ونيغيل وينتربرن بالتقدم والمشاركة في الهجمات.
يقول وينتربرن: "مع جورج جراهام (المدرب الذي سبق فينغر) لم أكن مطالبًا بالهجوم، ولم ينتقدني المدرب أبدًا بسبب عدم التقدم إلى الأمام ولكن حين جاء فينغر تغيّر كل شيء" ويضيف: "لقد طالبنا بالتقدم إلى الأمام وأن نركض سريعًا على طرفي الملعب، ليس هذا فحسب لقد أبلغنا أنا ولي ديكسون بضرورة أن نتقدم سويًا في نفس الهجمة، في السابق كان إذا تقدم أحدنا وشارك في الهجوم يكتفي الآخر بالتواجد في الخلف".
كانت لفينغر الأسبقية بين مدربي الدوري الإنجليزي في إعادة توظيف الظهيرين، والاستفادة منهما في الجانب الهجومي، وتبعه لاحقًا سائر مدربي البطولة.
المهام الجديدة لهذا المركز تطلبت مواصفات خاصة من اللاعبين الذين يشغلون هذا المركز. الركض المتواصل بطول الملعب وقطع المسافات الطويلة يحتاج إلى لياقة بدنية كبيرة، بالإضافة إلى امتلاك مزايا أخرى هجومية مثل الدقة في تمرير الكرات العرضية. ويضاف إلى ذلك، المهام الدفاعية التقليدية.
نتيجة لذلك، بدأت الأندية تولي اهتمامًا بهذا المركز في قطاعات الناشئين، وتضاعفت التدريبات المخصصة للظهراء لتحسين مردودهم الدفاعي والهجومي على حد سواء.
ومع تزايد الاعتماد على طرفي الملعب في الناحية الهجومية، وتألق العديد من اللاعبين خاصة البرازيليين أمثال كافو وروبرتو كارلوس، ظهر لاحقًا مركز جديد هو الظهير-الجناح، ويطلق على اللاعب الذي يشغل مركز الظهير مع وجود ثلاثة لاعبين آخرين في قلب الدفاع. وتزداد المهام الهجومية المكلّف بها هذا اللاعب بشكل كبير.
واعتمدت كثير من الفرق على لاعبين بمهام هجومية في مركز الظهير دون أن تعتمد على ثلاثة لاعبين في قلب الدفاع مثل برشلونة الذي امتلك أحد أفضل اللاعبين الذين شغلوا مركز الظهير الأيمن وهو البرازيلي داني ألفيش، وكذلك ريال مدريد الذي امتلك برازيلي آخر هو مارسيلو على الطرف الأيسر.
أفكار غوارديولا وبصمة كلوب
حين انتقل إلى قيادة مانشستر سيتي، كان مركز الظهير من أهم المراكز التي سعى بيب غوارديولا لتدعيمها. أنفق النادي أموالًا كثيرة لضم الفرنسي بينجامين ميندي والإنجليزي كايل ووكر.
أتاح اللاعبان لغوارديولا التنويع في طريقة لعبه. واستفاد بيب من سرعة اللاعبين وانطلاقاتهما الهجومية لخلق فراغات في عمق الملعب.
وكان غوارديولا قد سبق له توظيف الظهيرين بشكل غير مسبوق خلال قيادته لبايرن ميونيخ الألماني حيث كان يدفع بهما إلى عمق الملعب خلال الهجمات، ويترك الحرية للجناح المهاجم للتواجد على أقصى طرف الملعب.
ووضع الألماني يورغين كلوب المدير الفني لليفربول بصمته وساهم في تطوير خصائص هذا المركز، ويملك كلوب في فريقه ظهيرين مميزين هما ترينت ألكسندر أرنولد على الجهة اليمنى، وأندرو روبرتسون على الجهة المقابلة.
وفضلًا عن التقدم بشكل مستمر إلى الأمام، ودعم الهجوم بتمريراتهما العرضية فإن ظهيري ليفربول تحولا في كثير من المواقف إلى صُناع ألعاب بتمريراتهما الطويلة في المساحات الفارغة خلف المدافعين التي استغلها محمد صلاح وساديو ماني في تسجيل الكثير من الأهداف.
إضافة إلى ذلك، اشتهر ظهيرا ليفربول بتمريراتهما السريعة المتقنة بعرض الملعب، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والعكس، هذه التمريرات تُربك دائمًا المنافسين، وتمنح ليفربول المزيد من الخيارات الهجومية.
سجل ألكسندر أرنولد هذا الموسم هدفين وصنع 12 هدفًا في مسابقة الدوري، في حين سجل روبرتسون هدفًا واحدًا وصنع 7 أهداف.
هكذا تطور هذا المركز بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وبات تقييم الظهير لا يرتبط بالأساس بتدخلاته الدفاعية وعدد الكرات الخطرة التي أبعدها لكن أيضًا بعدد التمريرات العرضية ونسبة دقتها، وكذلك قدرته على تسجيل الأهداف، بالإضافة إلى سرعته والمسافة التي قطعها خلال المباراة.