توقف المنافسات الرياضية لم يضرب الأندية وحدها.. الجمهور يخسر المال أيضاً

time reading iconدقائق القراءة - 2
مصور تلفزيوني في استاد فارغ في الدوري الألماني - AFP
مصور تلفزيوني في استاد فارغ في الدوري الألماني - AFP
القاهرة-محمد فتحي

تتحدث الصحف ووسائل الإعلام بشكل يوميّ عن الخسائر المادية الضخمة التي تكبّدتها الأندية والمنافسات الرياضية حول العالم، منذ توقف المنافسات قبل نحو شهرين، وتغض الطرف عن عنصر آخر يتكبّد هو الآخر خسائر مالية نتيجة لهذا التوقف، وهو الجمهور.

تعتمد المنافسات الرياضية على حقوق البث التلفزيوني كمصدر رئيس من مصادر دخلها. وتحصل الاتحادات الرياضية على مبالغ ضخمة من شبكات التلفزيون التي تعتمد على الاشتراكات المدفوعة من الجمهور. وباتت شبكات التلفزيون تتحكم في كثير من التفاصيل، وعلى رأسها توقيت إقامة المباريات لضمان تحقيق أعلى نسب مشاهدة في بلدان مختلفة.

وعلى الرغم من توقف المنافسات الرياضية، إلا أن الاشتراكات المدفوعة لم تتوقف. حصّل كثير من الشبكات مبالغ ضخمة من الاشتراكات المدفوعة. في الولايات المتحدة الأميركية، طالَب المدّعي العام لمدينة نيويورك، هذا الأسبوع، مشغلي الكابلات والأقمار الصناعية بالتوقف عن فرض رسوم على العملاء مقابل البث الحيّ للبرامج الرياضية، وأعلنت شركات كثيرة، من بينها "تشارتر" و"كومكاست"، رغبتها في إعادة الأموال إلى المشتركين. أما في الشرق الأوسط، فيختلف الأمر بشكل جذريّ.

جهة واحدة 

في المنطقة العربية، تملك مؤسسة واحدة وهي مجموعة "بي إن" حقوق البث الحصرية للمنافسات الكبرى في مختلف الرياضات، وفي مقدمها كرة القدم. توسعت مجموعة "بي إن" القطرية في هذه الحقوق مقابل عقود ضخمة على مدار السنوات الماضية، وباتت تملك حقاً حصرياً لإذاعة الدوريات الخمسة الكبرى في عالم كرة القدم؛ الإنجليزي والإسباني والإيطالي والألماني والفرنسي.

فور توقف المنافسات الكروية، ظهرت أصوات تطالب مجموعة "بي إن" بتعويض أصحاب الاشتركات الذين ذهبت أموالهم هباء. وتوقع البعض أن تتخذ مجموعة "بي إن" الإعلامية المالكة للقنوات قراراً بإعفاء المشتركين من قيمة تجديد الاشتراك، ولكنها في المقابل قررت تعويض مشتركي الباقة الرياضية بمنحهم شهرين مجانيين في الباقة الترفيهية التي تنتهي في 30 يونيو.

وعلى الصفحة الرسمية للشركة المصرية للقنوات الفضائية CNE، موزعة حقوق البث المشفر لقنوات "بي إن سبورتس"، انتقدت أغلب تعليقات المشتركين هذا القرار الذي اعتبر تعويضاً غير عادل خاصة في ظل الفارق المادي البسيط بين الباقتين؛ الرياضية والترفيهية SPORTS  وPREMIUM  الذي لا يتجاوز 100 جنيه عن كل 3 أشهر.

أزمات متداخلة

في صيف 2019، وبينما كانت "بي إن" تستعد لتغطية منافسات بطولة كأس الأمم الإفريقية التي استضافتها مصر، قامت "بي إن" بتسريح أكثر من 300 من موظفيها، 20% من إجمال العمالة، لتقليص النفقات. ومنذ مطلع العام الحالي، وقبل توقف المنافسات الرياضية بسبب أزمة كورونا كان يتردد في أروقة القناة الشهيرة إمكانية تسريح عدد مماثل من العاملين لتقليص النفقات أيضاً.

ولفهم أسباب هذه القرارات، تجدر الإشارة إلى أن ناصر الخليفي رئيس مجموعة "بي إن"، هو أيضاً رئيس نادي باريس سان جيرمان الفرنسي المملوك من "جهاز قطر للاستثمار"، الصندوق السيادي القطري. 

وامتلك الصندوق 70% من أسهم باريس سان جيرمان عام 2011، وفي العام التالي استحوذ على 100% من أسهم النادي الفرنسي العريق. وضخّ الصندوق أموالاً طائلة في خزائن النادي الذي قام بأغلى صفقة في تاريخ كرة القدم بشراء البرازيلي نيمار من برشلونة عام 2016 مقابل 220 مليون يورو.

وعلى الرغم من سيطرة النادي على الدوري المحلي، وتتويجه باللقب 7 مرات في آخر 8 مواسم، إلا أن الإدارة عازمة على تحقيق لقب دوري الأبطال، وفي سبيل ذلك لا تتوقف عن عقد الصفقات الضخمة وإنفاق المزيد من الأموال على رواتب اللاعبين. 

في المقابل، اعتمد الخليفي سياسة مختلفة تماماً لإدارة مجموعة قنوات "بي إن"، إذ لجأ إلى التقشف وتقليل العمالة في محاولة لخفض النفقات وتحقيق مكاسب مادية تعوّض ولو جزءاً من المبالغ الضخمة التي ينفقها باريس سان جيرمان. ويضاف إلى ذلك، تأثر الاقتصاد القطري بالأزمة الدبلوماسية والمقاطعة المفروضة عليه من السعودية والبحرين والإمارات ومصر.

لذا، حين توقفت المنافسات الكروية، لم يكن مطروحاً لدى إدارة القناة فكرة إعادة الأموال إلى المشتركين، وكان تحويلهم إلى باقة الترفيه أفضل الحلول.

ملء الفراغ

في غياب المنافسات، ومع وجود العديد من القنوات التي تبث بشكل متواصل على مدار اليوم، لم يكن هناك حل أمام إدارة مجموعة "بي إن" إلا إذاعة العديد من البطولات القديمة في رياضات مختلفة. 

وساهم الأرشيف الضخم الذي تمتلكه القنوات في ملء هذا الفراغ، ونال الأمر استحسان بعض الجماهير خاصة هؤلاء الذين اعتبروا فترة التوقف استراحة قصيرة من البطولات الكروية المتزاحمة، وفرصة لإنعاش الذاكرة في حين رأى البعض الآخر أن القناة لم تعوّض جماهيرها بشكل عادل.

يقول محمد علي، أحد مشتركي الشبكة لـ"الشرق" إنه طوال فترة اشتراكه في مجموعة قنوات "بي إن"، وقد تجاوزت العامين، لم يشاهد أفلاماً أو مسلسلات عليها إلا قليلًا، على الرغم من اشتراكه في باقة premium ، لأن الأولوية بالنسبة إليه ولأغلب المشتركين، كما يقول "متابعة الأحداث الرياضية". ويتابع: "حين توقفت المنافسات، كنت أعلم صعوبة استرداد قيمة الاشتراك من القناة التي ستتكبّد هي الأخرى خسائر جراء التوقف. توقعت، في أفضل الظروف، أن يكون التعويض كروياً بالأساس لأننا لا نكترث لقنوات المجموعة التي تقدم محتوى غير رياضي".

ويشير "علي" إلى نقطة أخرى، وهي أن "(بي إن) هي الأفضل في تغطية الأحداث الرياضية في منطقتنا ولا يوجد من ينافسها"، ولكنه يقول:"حين يتعلق الأمر بالأعمال الدرامية سواء الأفلام أو المسلسلات، فإنها لا تأتي في الصدارة مطلقاً". ويضيف: "أنا مشترك في شبكة أخرى متخصصة في إنتاج الأفلام والمسلسلات والوثائقيات وعرضها، ولم أفكر يوماً في متابعة (بي إن) لأي شيء غير كرة القدم".

من جهته، ينتقد وائل عبدالله (أحد مشتركي "بي إن") القرارات التي اتخذتها إدارة القناة لتعويض الجماهير. ويقول إن "اشتراكات القناة تزايدت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ومع كل بطولة تقوم مجموعة القنوات بفرض رسوم خاصة بعضها يكون باهظاً مثل باقة كأس العالم 2018، الأمر الذي جعلني أدخر قبل كل بطولة مبلغاً مالياً حتى أكون قادراً على متابعة المباريات، لذلك حين توقفت المنافسات كان منطقياً أن ترّد لنا الشبكة هذه الأموال".

ويرى عبدالله أن المشتركين هم الطرف الأكثر تضرراً في الفترة الحالية لأن "بإمكان القنوات استعادة أرباحها فور عودة المسابقات الرياضية، لكن الأموال التي دفعها المشتركون لن يستعيدوها مجدداً".

ويقول عمرو أبو العزم، وهو صحافي رياضي مصري، إن "الدوريات الأوروبية الكبرى في عالم كرة القدم كانت قد اقتربت من نهايتها قبل التوقف بسبب كورونا، والآن تعود للاستئناف في فترات متقاربة، ما يعني أن نهايتها ستكون في توقيت واحد على الأغلب". 

ويضيف: "نسبة كبيرة من الاشتراكات كانت مستمرة حتى نهاية الموسم الكروي (نهاية مايو)، لذا على القناة أن تُكمل هذه الاشتراكات حتى موعد نهاية هذه الدوريات". ويتابع: "هذا هو القرار العادل الذي كان على مسؤولي القناة اتخاذه".

وتحصّل مجموعة القنوات الرسوم سنوياً أو كل 3 أشهر. ويفضل غالبية المشتركين تجديد اشتراكهم 3 أشهر، لتجنب دفع مبلغ كبير دفعة واحدة.

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.