الكالتشيو في الثمانينيات.. حين كان تسجيل الأهداف أقرب إلى المعجزة

time reading iconدقائق القراءة - 2
دييغو مارادونا مع فريق "نابولي" - Getty Images
دييغو مارادونا مع فريق "نابولي" - Getty Images
القاهرة-محمد فتحي

"الدوري الإيطالي هو الأصعب في العالم. الأولوية هنا للدفاع. الأهداف لا تأتي بسهولة".. قال البرتغالي كرستيانو رونالدو هذا التصريح في مارس 2019، بعد انقضاء 26 جولة من موسمه الأول مع فريق يوفنتوس الإيطالي.

فتحت تصريحات رونالدو، الفائز بالكرة الذهبية خمس مرات، الباب حينها للحديث مجددًا عن خصوصية الدوري الإيطالي، وما تتميز به فرق المسابقة من انضباط دفاعي وتنظيم محكم. ورغم ذلك، يبدو الكالتشيو في سنواته الأخيرة هجوميًا بامتياز إذا قارناه بحقبٍ سابقة، وتبدو معاناة رونالدو نقطة في بحر إذا قورنت بمعاناة اللاعبين الأجانب الوافدين إلى الدوري الإيطالي قبل نحو 40 عامًا.

نسلط الضوء في هذا التقرير على الحقبة الأصعب على المهاجمين في تاريخ الدوري الإيطالي، حين كان الوصول إلى المرمي وهز الشباك أقرب إلى المستحيل، وكان تسجيل 10 أهداف في الموسم بمثابة إنجاز كبير لأي مهاجم. حقبة الثمانينيات المتخمة بالنجوم والشحيحة بالأهداف.

الأجانب.. قليلون وبارزون

كانت لوائح الدوري الإيطالي الممتاز تسمح بوجود لاعبيْن أجنبيين فقط في قائمة كل فريق في بداية هذه الفترة. تنافست فرق المسابقة على استقدام صفوة لاعبي العالم. ولم يكن غريبًا أن تجد أحد فرق منتصف الجدول أو مؤخرته يضم نجمًا أجنبيًا من العيار الثقيل.

في مطلع موسم 1984/1985 كان الأسطورة دييغو أرماندو مارادونا في بدايات تجربته الفريدة في الجنوب رفقة نابولي. وفي يوفنتوس كان هناك الفرنسي ميشيل بلاتيني والبولندي زبجنيف بونيك. إنتر ميلان ضم نجم ألمانيا كارل هاينز رومينيغي والإنجليزي الشهير ليام برادي لاعب آرسنال، في حين ضم لاتسيو الدنماركي الموهوب ميشيل لاودروب.

كذلك، توافد نجوم منتخب البرازيل في مونديال 1982 إلى إيطاليا. ارتدي زيكو قميص أودينيزي. وانضم سوقراطيس إلى فيورنتينا. في حين توجه فالساو إلى العاصمة روما وارتدي قميص الذئاب، وفضل جونيور الانضمام إلى تورينو.

وفي نهاية الثمانينيات، بدأ ميلان بعدما قام سيلفيو بيرلسكوني بشرائه يضم أسماءً لامعة مثل فرانك ريكارد وماركو فان باستن ورود خوليت، كما حط المهاجم الألماني يورغين كلينسمان رحاله في الدوري الإيطالي قبل انتهاء هذه الحقبة مع فريق إنتر ميلان الذي كان يضم لاعبًا آخر من ألمانيا هو لوثار ماتيوس أسطورة المانشافت.

ويضاف إلى هذه الأسماء الأجنبية العديد من المواهب المحلية البارزة التي سطعت في المسابقة خلال الحقبة نفسها. مثل روبرتو باجيو الذي بدأ مسيرته في الدوري الإيطالي الممتاز في منتصف الثمانينيات، وجيانلوكا فياللي وباولو مالديني وماركو باريزي وجوزيبي بيرغومي وغيرهم.

وللتدليل على قوة الدوري الإيطالي خلال هذه الحقبة، نُذكِّر بأن القائمة التي اختارها الأسطورة البرازيلي بيليه ونشرها الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 2004 لأفضل 125 لاعبًا في تاريخ كرة القدم، هذه القائمة بها 13 لاعبًا ممن تواجدوا في الدوري الإيطالي خلال موسم 1984/1985 ، ولم تضم إلا لاعبًا واحدًا من الدوري الإنجليزي خلال الموسم نفسه هو غاري لينيكر.

الأهداف.. عملة نادرة

مع كل هذه الأسماء وغيرها، كان منطقي أن تتحول مباريات الدوري إلى كرنفالات كروية عامرة بالأهداف والفرص الضائعة لكنّ الأمر كان على النقيض تمامًا. كانوا يقولون إن "لكل مارادونا كان هناك جنتيلي" في إشارة إلى أن معاناة اللاعبين الموهوبين في الدوري الإيطالي خلال تلك الفترة كانت شبيهة بمعاناة مارادونا حين واجه كلاوديو جنتيلي في مونديال 1982. وقتها قام المدافع الإيطالي الملقب بـ"الجزار" بـ23 تدخل ضد دييغو وحد من خطورته بشكل كبير.

كانت الفرق تدافع بشراسة ولم تكن تكترث بالمتعة كعنصر من عناصر اللعبة. كان الفوز وحده هو الهدف. وأكثر الطرق أمانًا لانتزاع نقاط المباراة أن يقوم الفريق بتسجيل هدفٍ ثم يتراجع ويقف أمام مرماه حتى صافرة النهاية.

 لم تغيّر الفرق من سياساتها سواءً كانت المباراة على ملعبها أو خارجه. لم تسعَ لإمتاع جمهورها الحاضر  في المدرجات. على سبيل المثال، في موسم 1980/1981 خاض فريق بيروجيا 15 مباراة على ملعبه، انتهت تسع مباريات منها بالتعادل السلبي دون أن يسجل أو يستقبل أهدافًا. وإجمالًا تعادل الفريق في 19 مباراة خلال هذا الموسم.

وفي موسم 1984/1985 تكرر الرقم ذاته مع فريق آخر. حيث انتهت تسع مباريات خاضها فريق كومو على ملعبه بالتعادل السلبي، وطوال هذا الموسم لم تتلقّ شباك الفريق إلا هدفين فقط على ملعبه، أحدهما من ضربة جزاء سجلها مارادونا. وهذا الرقم ما زال صامدًا في الدوري الإيطالي حتى يومنا هذا كأقل عدد من الاهداف استقبلها فريق على ملعبه خلال موسم واحد.

وخلال حقبة الثمانينيات لم يتجاوز متوسط الأهداف في أي موسم حاجز الـ2.4 هدفًا في المباراة الواحدة، وشهد موسم 1986/1987 متوسط هو الأقل في مختلف الدوريات الأوروبية خلال آخر 38 عامًا، وبلغ 1.93 هدفًا في المباراة الواحدة.

وخلال هذا الموسم، فاز نابولي باللقب بعد تسجيله 41 هدفًا فقط خلال 30 مباراة بمتوسط 1.3 هدفًا في المباراة الواحدة.

في هذه الأجواء الدفاعية، كانت مهمة المهاجمين معقدة وبالغة الصعوبة. الفرص المتاحة للتسجيل قليلة ومعدودة، والمدافعون لا يفسحون لك مجالًا لهز الشباك. كانت الأهداف عملة نادرة.

طوال حقبة الثمانينيات لم ينجح أي لاعب في تسجيل 20 هدف في موسم واحد باستثناء الفرنسي ميشيل بلاتيني والإيطالي ألدو سيرينا. الأول سجل 20 هدفًا بقميص يوفنتوس موسم 1983/1984، والثاني سجل 22 هدفًا في موسم 1988/1989 مع إنتر ميلان.

وطوال مسيرته في الدوري الإيطالي لم يسجل الأسطورة مارادونا أكثر من 16 هدفًا في موسم واحد، ورغم ذلك حجز مقعدًا في ترتيب هدافي المسابقة حينها، وكان من الأربعة الأوائل في سباق الهدافين خلال 5 مواسم.

في موسم 1986/1987 الذي توّج نابولي بلقبه لم يتمكن أي لاعب في الدوري من تجاوز حاجز الـ12 هدفًا، باستثناء بيترو باولو فيرديز لاعب ميلان الذي تربع على عرش الهدافين برصيد 17 هدفًا. وفي هذا الموسم سجل مارادونا 10 أهداف فقط.

الهولندي الفذ ماركو فان باستن الذي سجل 68 هدفًا في الدوري الهولندي خلال 53 مباراة مع أياكس، لم يتمكن بعد انتقاله إلى ميلان من الوصول إلى حاجز الـ20 هدفًا في الموسم إلا بعد خمس مواسم مع الروسونيري، وكان ذلك بعد نهاية حقبة الثمانينيات.

وواجه هولندي آخر صعوبة كبيرة حين انتقل إلى إيطاليا في هذه الحقبة الدفاعية، هو فيم كيفت الذي حصل على الحذاء الذهبي في أوروبا بعدما سجل 32 هدفًا مع أياكس موسم 1980/1981. في إيطاليا تراجعت معدلات اللاعب التهديفية بشكل كبير، وفي موسم 1986/1987 اكتفى بتسجيل 8 أهداف فقط، ورغم ذلك، لم يسجل أكثر منه في هذا الموسم إلا ستة لاعبين فقط.

المهاجم الإيطالي الشهير جيانلوكا فياللي قدم أداءً مميزًا مع سامبدوريا لكنّه لم يخترق حاجز الـ15 هدفًا في الموسم. وكان أفضل مواسمه في الثمانينيات حين سجل 14 هدفًا في موسم 1988/1988،  وسجل 12 هدفًا في موسم 1986/1987.

جانب من المعاناة

قضى المدرب السويدي الشهير سفين غوران إريكسون 14 عامًا من مسيرته التدريبية في الدوري الإيطالي مع فرق روما وفيرونتينا وسامبدوريا ولاتسيو. وقضى 6 أعوام في الكرة الإنجليزية مع منتخب الأسود الثلاثة ومع فريق مانشستر سيتي.

يقول إريكسون في سياق المقارنة بين البطولتين: "هناك فارق جوهري بين المسابقتين. في إيطاليا حين تتقدم بهدف ويتبقى 15 دقيقة على نهاية المباراة فإنك تدافع عن مرماك وتحاول ألا تتلقى هدفًا. في إنجلترا في مثل هذه الحالة لن يتراجع الفريق، سيواصل الهجوم ويحاول تسجيل هدفًا ثانيًا".

هذا الفارق تسبب في معاناة الكثير من المهاجمين الوافدين إلى الكالتشيو، خاصة هؤلاء الذين قدموا من الدوري الإنجليزي الممتاز.

يشرح أسطورة ليفربول إيان راش جانبًا من هذه المعاناة. في موسم 1986/1987 سجل راش 30 هدفًا مع ليفربول في الدوري الإنجليزي، وانتقل بعدها إلى يوفنتوس الإيطالي ليقضي في صفوفه موسمًا واحدًا ثم يعود إلى بلاده مجددًا.

يقول راش: "يقولون إنها كانت سنة مُحبطة في يوفنتوس لكنها لم تكن كذلك على الإطلاق، كنت هداف الفريق خلال هذا الموسم".

سجل راش 7 أهداف بقميص اليوفي في الدوري. وفي هذا الموسم 1987/1988 لم يتجاوز أي لاعب حاجز الـ11 هدفًا باستثناء ثنائي نابولي مارادونا وكاريكا. سجل الأول 15 هدفًا وتصدر ترتيب الهدافين، وسجل الثاني 13 هدفًا وحل ثانيًا.

يحكي راش جانبًا من المعاناة: "كانت الأمور صعبة ومعقدة للغاية من الناحية التكتيكية. إذا سجلت هدفًا عليك أن تعود للدفاع عن مرماك وتقاتل. القاعدة  كانت عدم السماح للمنافس بالتسجيل مهما كلف الأمر، وهذا عكس ما اعتدت عليه في ليفربول".

ويضيف: "في إنجلترا، كنت إذا أردت قطع الكرة في ملعب الخصم أقوم بالضغط على المدافع بقوة، في إيطاليا كان الأمر مختلفًا تمامًا. لا يقوم أحد بالضغط على المنافسين في منتصف ملعبهم، وإذا قمت بذلك وقطعتُ الكرة أجد جميع لاعبي فريقي بعيدين ويقفون في منتصف الملعب. كان صعبًا أن يتكيف 10 لاعبين على طريقة لعب فرد واحد. لم يكن أمامي سوى الرحيل".

الجامايكي لوثر بيليست كانت له تجربة مماثلة. انتقل إلى ميلان بداية موسم 1983/1984 بعد مسيرة مميزة مع واتفورد. في الفترة التحضيرية للموسم كانت الأمور مثالية بالنسبة لبيليست.

يقول اللاعب الجامايكي: "خلال فترة الاعداد كنت اتطلع إلى الموسم الجديد. قلت لنفسي إن الانتقال لميلان خطوة موفقة في مسيرتي. الفريق يضم لاعبين مميزين يحاولون مساعدتي في التدريبات، ويمررون الكرة لي كثيرًا".

ويضيف: "المباراة الأولى بالدوري كانت خارج ملعبنا امام أفلينو. تغيّر كل شيئ.  كانت المباراة صعبة ومعقدة. منذ الدقيقة الأولى وحتى صافرة النهاية لم يشغل بال الفريقين إلا الاحتفاظ بالكرة وتمريرها أطول فترة ممكنة".

ويضيف: "لم يكن زملائي بالفريق يكترثون بصناعة الفرص، كان يشغل بالهم تمرير الكرة أطول فترة ممكنة. كنت أنتظر كثيرًا في الهجوم لكنّ الكرة لا تأتيني" ويتابع: "في كثير من المباريات، كنت أقوم أنا بصناعة اللعب وتمرير الكرات الخطيرة إليهم لكنّهم في المقابل لم يهتموا سوى بالحفاظ عليها بين أقدامهم. كانت هناك مباريات قليلة نستطيع خلالها الهجوم وزيادة الفاعلية، وكنا نقدم خلالها أداءً جيدًا".

في آخر مواسمه مع واتفورد سجل بيليست 27 هدفًا، وفي هذا الموسم الموسم 5 أهداف فقط مع ميلان.

ويرى لاعب الوسط المهاجم جوردون كوانس الذي انتقل من أستون فيلا إلى باري عام 1985 أنه كانت تتاح بعض الفرص لتشكيل خطورة على مرمى المنافسين ،لكنّ الأولوية كانت دائمًا للاحتفاظ بالكرة، وعدم المخاطرة بتمريرها.

يضيف كوانس: "كلما تصلك الكرة تجد المنافس يتراجع. جميع لاعبيه يقفون خلف الكرة. كان عليك أن تجد منفذا وتخترقهم لكنّ الأمر كان صعبًا لأن الفرق كانت منظمة إلى أقصى درجة. كانوا يتراجعون إلى منتصف ملعبهم ويغلقون المنافذ. إذا لم تتمكن من تمرير الكرة سريعًا قبل عودتهم فلن يكون أمامك سوى محاولة بناء الهجمة وتمريرها لفترة طويلة حتى تجد منفذًا".

استمرت المعاناة طوال هذا العقد لكن في نهايته حدثت انفراجة بسيطة حين قام المدرب الإيطالي الشهير أريغو ساكي بالاعتماد على طريقة لعب (4-4-2) مع ميلان. اختفى مركز الليبرو من تشكيلته، وبدأ فريقه يلعب كرة أكثر هجومية.

كما ساهم توسع الاتحاد الأوروبي في عدد الفرق المشاركة في المنافسات الأوروبية، في احتكاك الفرق الإيطالية بعدد كبير من المدارس الكروية الأخرى، وبدأت بعض الطرق والأفكار الكروية الأكثر هجومية واندفاعًا تتسلل إلى عقول المدربين.

في التسعينيات، ومع منع الحراس من الإمساك بالكرة حين يمررها إليهم زملائهم بالفريق، ومع بعض التعديلات على قانون التسلل، زادت حصيلة الأهداف في منافسات الكالتشيو لكنّه ظل صلبًا أكثر صعوبة من سائر الدوريات الأخرى داخل القارة العجوز حتى يومنا هذا.

نستخدم في موقعنا ملف تعريف

نستخدم في موقعنا ملف تعريف الارتباط (كوكيز)، لعدة أسباب، منها تقديم ما يهمك من مواضيع، وكذلك تأمين سلامة الموقع والأمان فيه، منحكم تجربة قريبة على ما اعدتم عليه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك تحليل طريقة استخدام موقعنا من قبل المستخدمين والقراء.