
شهد عالم كرة القدم تطورًا مُتسارعاً في السنوات الأخيرة. وظهرت مجموعة من المهن الجديدة المُرافقة لهذا التطور والازدهار.
سابقًا، كان المدير الفني يقوم بأدوار عديدة، فهو المسؤول الوحيد عن الجوانب التكتيكية والإعداد البدني بالإضافة إلى دراسة الخصوم بشكل مفصّل، ومؤخرًا ضمت الأطقم الفنية والتدريبية للأندية والمنتخبات مجموعة كبيرة من المساعدين، وصَار المُدرب يقوم بشكل رئيسي بالإشراف على هؤلاء المساعدين ومتابعة عملهم.
أحد أهم المهن المستحدثة في عالم كرة القدم هي محلل الأداء. الذي يعمل في الظل بعيدًا عن الأضواء والضجيج.
من هو؟
ظهرت مؤخرًا شركات متخصصة في تقديم الإحصاءات الدقيقة والمفصلة لكل نادٍ، ومع هذا التطور احتاجت الأندية إلى محللي أداء يجيدون التعامل مع هذه الأرقام، وينتبهون إلى التفاصيل الصغيرة والدقيقة الخاصة بالنادي والمنافسين.
يعمل محلل الأداء تحت إشراف المدير الفني وبالتنسيق معه، ويقوم بتجهيز العديد من مقاطع الفيديو الخاصة بالفريق أو المنافسين.
ويشرح المصري محمود سليم محلل أداء فريق الوحدة السعودي لـ"الشرق" طبيعة هذا العمل، ويقول: "مهام محلل الأداء تختلف من مُدير فني إلى آخر. هناك مدرب يقلص من صلاحياتك، بينما يوفر لك مُدرب آخر الأجواء المثالية للعمل، ويُمّكنك من التواجد بالحصص التدريبية وتصويرها، والاستماع إلى تعليماته وتوجيهاته للاعبين".
ويضيف:"عمل محلل الأداء يتم عبر ثلاث مراحل؛ الأولى مرتبطة بالمنافس. أقوم بوضع تحليل كامل لحالات اللعب الأربع المتمثلة في العمليات الدفاعية والعمليات الهجومية بالإضافة إلى التحولات وطريقة تنفيذ الكرات الثابتة، هذا كُله يكون من خلال فيديوهات توضيحية".
ويتابع "يمكن لمحلل الأداء التركيز على بعض العناصر الفردية المهمة والمؤثرة لدى الفريق المنافس. على سبيل المثال، إذا كان المنافس يملك مهاجمًا خطيرًا أقوم بشرح طريقة تحركاته ونقاط قوته، مما يسمح للمدرب بإلقاء مُحاضرة خاصة للمدافعين المكلفين بمراقبته خلال المباراة".
المرحلة الثانية تكون خلال حصص التدريب. يقول محلل الأداء المصري: "أقوم بتصوير الحصص التدريبية وتحليلها بشكل دقيق، ذلك يُساعد المدرب على الوقوف على كل صغيرة وكبيرة في التدريبات، كما يُساهم في تطوير تمركز اللاعبين".
واسترسل في حديثه لـ"الشرق":" هناك بعض الحصص التدريبية التي تهم الجانب التكتيكي، أقوم بتحليلها وأبلغ المدرب في حال ظهرت عيوب ما حتى يتمكن من تصحيحها قبل المُباراة".
المرحلة الثالثة في عمل محلل الأداء ترتبط بالمباراة. يقول سليم: "أقوم بتصوير المباراة باستخدام الكاميرا التكتيكية التي تصور الملعب كاملا بكل إحداثياته. وأعمل على تجهيز مقاطع الفيديو في نفس الوقت لكي يقوم المدرب أو المدير الفني بعرضها على اللاعبين بين شوطي اللقاء لتصحيح بعض الأمور التكتيكية في حال طلب ذلك".
لا بديل عن الإحصاءات
تقدم الشركات المسؤولة عن الإحصاءات تفاصيل وأرقام كثيرة للأندية المتعاقدة معها. وعن أفضل طريقة للتعامل مع هذه الأرقام، يقول سليم: "الأرقام عنصر مهم في عالم كرة القدم. يجب الاستفادة منها قدر الإمكان. تصل إلينا أرقام هائلة لا يُمكنك استثمارها كلها. اليوم، يجب أن يعرف محلل الأداء ما يُريده بالتحديد من تلك الأرقام. أحيانًا، تحصل على أرقام أحد اللاعبين المؤثرين في الفريق الخصم، ومن خلالها يمكنك إعداد تقرير شامل عنه".
وأضاف:"البرامج التي تقدمها تلك الشركات يكون الملعب خلالها مقسمًا إلى 18 مُربعا. نحصل على الأرقام الخاصة بكل مربع بشكل مفصل ومستقل. على سبيل المثال تشرح لك الأرقام والخطط التوضيحية أن المنافس يفقد الكرة كثيرًا في المربع رقم 14 أو لا يُجيد البناء فيه، هذا الأمر يُساعدنا على معرفة المساحات التي نقوم فيها بالضغط والبناء الهجومي بالشكل السليم".
وعن الأصوات التي تُقلل من أهمية الأرقام في عالم كرة القدم، يقول سليم:" من يقلل من قيمة الأرقام يفهمها بشكل سلبي وغير صحيح. الأرقام مفيدة جدًا. هناك بعض الخرائط والأرقام التي تصلنا من شركات التحليل تغنيك عن مشاهدة مباراتين أو ثلاث مباريات للاعب محدد، عن طريق الخريطة يمكنني فهم تحركات اللاعب وطريقة تحكمه بالكرة وكل الأمور المتعلقة به".
اهتمام عربي
مؤخرًا، تزايد اهتمام الأندية والمنتخبات العربية بمهنة محلل الأداء. وبات معتادًا أن نقرأ فور التعاقد مع أحد المدربين وجود محلل أداء أو أكثر بالجهاز الفني المساعد له.
يقول سليم في هذا الصدد:"الاهتمام بمحللي الأداء أصبح كبيرًا في العالم العربي. كل الفرق القوية والمنتخبات تعتمد على محللي أداء. هذه المهنة لا مفر منها اليوم، لقد أصبح المحلل عنصرًا مؤثرا في عمل المدربين. هناك بعض الأخطاء التي تكشفها له وعلى أساسها يقوم المدرب ببناء حصته التدريبية". واستدرك: "لا أقصد بهذا الحديث أن المحلل هو أهم عنصر في الطاقم التدريبي لكن يبقى له دور محوري، لأن المدير الفني يدرس المنافسين من خلال تقرير محلل الأداء".
كيف تصبح محللًا؟
يجيب سليم عن هذا السؤال: "يجب أن تجيد التعامل مع الوسائط التكنولوجية والبرامج المعلوماتية التي تساعدك على إعداد مقاطع الفيديو والتقارير المطلوبة". ويضيف: "من الضروري أن تكون ملمًا بالتدريب حتى تتمكن من تحليل الحصص الندريبية. ويتوجب عليك معرفة كل ما يحيط بالتكتيك في الكرة، وبالإضافة إلى ذلك فإن محلل الأداء يُطلب منه تجهيز فيديو تحفيزي يعرض على اللاعبين قبل المباراة، وهو ما يجعلني أقول أنه يجب أن يكون على دراية بعلم النفس وكيفية شحذ همم اللاعبين واستنفار طاقاتهم".
وتابع: "فوق كل هذا يجب على من يريد الالتحاق بهذه المهنة أن يجتهد. هذا المجال متاح للجميع، لا أحد يحتفظ بأسراره، أرى كثيرين يقومون بمشاركة خبراتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. شاهدت مؤخرًا مجموعة من الفيديوهات لمحللي الأداء بأندية برشلونة وبايرن ميونيخ، يشرحون خلالها طريقة عملهم".
واختتم حديثه قائلًا: "من يرغب في اقتحام هذا المجال عليه أن يبذل كل ما في وسعه، ليس من الضروري البداية مع فريق كبير. يُمكنك اقتراح العمل كمتطوع عن بعد مع مدرب أحد أندية الدرجات السفلى والهواة. هذه خطوة أولى قد تساعدك كثيرًا.. أنا على سبيل المثال أحلم في يوم من الأيام أن أكون ضمن الطاقم التدريبي للمدرب الإسباني بيب غوارديولا.. ويبقى الحلم مشروعا".




