
كان معتادًا أن يجلس مشجعو الكرة عقب نهاية كل مباراة لمتابعة استوديوهات التحليل بنجومها اللامعة ولقطاتها الحصرية، لكنّ طرفًا جديدًا اقتحم المشهد الكروي مؤخرًا وحوّل كثيرًا من المشجعين نحو وجهة أخرى.
هذا الطرف الجديد يتمثل في مجموعة من المحللين الشباب نجحت في تقديم محتوى متميّز وجاذب للانتباه على مواقع التواصل، ويختلف بشكل كبير عن المحتوى التقليدي المُقدم في البرامج والاستوديوهات التحليلية على المحطات الفضائية.
ورغم الفوارق الكبيرة في الإمكانات والجوانب المادية والتقنية؛ إلّا أن هؤلاء الشباب نجحوا في وضع قدم داخل المشهد الرياضي.
أسهل وأبسط
لعل أحد أبرز أسباب انتشار المحللون الجدد في وطننا العربي ما تتسم به مقاطع الفيديو التي يقومون بإنتاجها من بساطة تُشعر المتابع بقدر من القرب والحميمية. لا يحتاج الأمر إلى جيش من العمال والفنيين والمصورين والخبراء. يمكن لأي مشجع أو مشاهد عقب نهاية المباراة أن يقوم بتصوير مقطع فيديو باستخدام هاتفه المحمول أو عبر كاميرا بسيطة.
وبعد التصوير تتوفر العديد من البرنامج المساعدة لتعديل المقطع وإضافة الصور بسرعة كبيرة، الأمر الذي ساعد بعض منتجي المحتوى على تقديم تحليلاتهم أو تعليقاتهم على المباريات فور انتهائها بدقائق.
ولا يحتاج المحلل إلى ارتداء بذلة أو ملابس رسمية باهظة الثمن كما الحال في الاستوديوهات. يمكنه ارتداء ما يريد من ملابس ولا يحتاج إلى التأنق بأي حال. كما يمكنه التصوير في أي مكان ولو كان داخل غرفه نومه الخاصة.
وساهم في الانتشار أيضاً مجانية النشر، إذ لا تطلب هذه المنصات من مستخدميها مقابلاً مادياً لعرض المحتوى، وفي المقابل تمنحهم أموالاً وفقاً لنسب المشاهدات.
تحرر من القيود
ولم يكن الانتشار الكبير لهذه الظاهرة بسبب طبيعة الوسيط الجديد والتطور التكنولوجي المستمر، فحسب، بل كان للمحتوى الذي يقدمه الـ"يوتيوبرز" العرب دور بارز في هذا الانتشار.
وبعد أن كان الأمر قاصراً في البداية على تحليل المباريات والتعقيب عليها، تشعّب لاحقاً ليتناول كل ما يتعلق بعالم الكرة والصفقات وخطط اللعب وتاريخ اللعبة وغير ذلك.
ومن الفوارق الرئيسية بين المحتوى المقدم في هذه البرامج ومحتوى الاستوديوهات التقليدية، التحرر من القيود المتمثلة في الحسابات المعقدة التي قد يخضع لها مقدمي البرامج، والتي قد تؤثر على آرائهم وتحليلاتهم، مثل الشعبية ومزاملة أحد اللاعبين أو المدربين في فترات سابقة، وسياسات القناة التي يعمل بها
على النقيض من ذلك، بإمكان اليوتيوبرز انتقاد اللاعبين والمدربين ورؤساء الأندية والجماهير أيضاً، والانتقاد هنا لا يتم في الغالب بلغة دبلوماسية مُحافظة لكن بلغة قاسية تعبّر بدقة عن مشاعر صاحبها، مع وجود مساحة تقييد صغيرة جدًا مثل سياسات المحتوى على يوتيوب التي تمنع ، على سبيل المثال، المقاطع التي تحض على الكراهية.
وينبذ كثير من مقدمي المحتوى الرقمي فكرة الحياد. فيجاهرون صراحة بتفضيلاتهم الكروية والفرق التي يشجعونها في مختلف الدوريات.
وكان لافتًا في هذه التجربة تطورها بإيقاع سريع. فأمام كل مشكلة تواجه مقدمي هذا النوع من المحتوى، تظهر العديد من الحلول، مثل حقوق الملكية الفكرية للصور ومقاطع الفيديو، والتي تحكمها شبكات البث المالكة لحقوق البث والنشر، وهي العقبة التي تغلب عليها "يوتيوبرز" التعليق الرياضي باستخدام صور ثابتة أو رسوم توضيحية بسيطة لا يستغرق إعدادها دقائقاً معدودة، أو بالإسهاب في الحديث الذي يغني أحياناً عن مقاطع الفيديو.
مشاهدات مليونية
لا شيء يدلل على الرواج الكبير لهذا النوع من المحتوى أكثر من عدد المتابعات والمشاهدات التي يحظى بها أشهر اليوتيوبرز العرب.
البحريني عبدالله النعيمي، الذي تحمل قناته الخاصة على يوتيوب اسمه خلافًا لكثير من اليوتيوبرز العرب، يملك أكثر من 2.6 مليون مشتركًا، وتجاوزت إجمالي المشاهدات للمحتوى الذي يقدمه 342 مليون مشاهدة.
ويعد المصري عمرو نصوحي من الأسماء اللامعة في هذا الشأن. بدأ نصوحي نشاطه على يوتيوب في اكتوبر 2012 بعد كتابة سلسلة من المقالات الكروية. ونجح صاحب قناة "صباحو كورة" في جذب الأنظار إليه بسبب طريقة عرضه للمعلومات وتواصله مع الجمهور. وتملك قناته أكثر من 1.8 مليون مشترك، وتجاوز إجمالي المشاهدات 188 مليون مشاهدة.
وهناك أيضاً المصري أحمد عفيفي الذي قدم نفسه كمشجع زملكاوي متخصص في تحليل مباريات الفريق الأبيض. انتقل عفيفي لاحقًا من عالم التحليل الإلكتروني إلى استوديوهات التحليل في القنوات الفضائية لكنّه ما زال ينشر مقاطع فيديو بين الحين والآخر عبر قناته الخاصة في موقع يوتيوب.
في حين تقدم قناة "ارزع" معالجات ساخرة للأحداث الكروية، وتضم القناة العديد من المقدمين والمحللين مثل مروان سري وعمر خالد وغيرهما، وتملك القناة أكثر من 373 ألف متابع ومشاهدات تجاوزت 42 مليون مشاهدة. كما تتعاون "ارزع" في أحيانٍ مع أصحاب قنوات أخرى مثل ممدوح نصرالله صاحب قناة المدفع الشهيرة.
ورغم التطور الهائل في محتوى القنوات العربية على يوتيوب إلّا أنها ما زالت غير قادرة على مجاراة العديد من القنوات الأجنبية التي تقدم محتوى أكثر احترافية، مثل قناة "ChrisMD" التي تملك أكثر من 4.8 مليون متابعًا، وبلغت عدد مشاهداتها أكثر من مليار و40 مليون مشاهدة. وتستعين هذه القناة بآلات تصوير احترافية، وتجري لقاءات مع العديد من نجوم اللعبة حول العالم.
من الصحافة إلى يوتيوب
أحد القلائل الذين عملوا بالصحافة الورقية وانتقلوا إلى شاشة اليوتيوب، وجمع أيضًا بين تقديم محتوى مرئي الكتروني والتواجد في استوديوهات التحليل التقليدية هو الصحفي الأردني محمد عواد مالك قناة "سيلفي سبورت".
يُبرز عواد في تصريحات لـ"الشرق" أحد أهم الاختلافات بين الظهور على شاشة التليفزيون وبين الظهور على يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي بقوله: "على الشاشة عليك أن تكون أكثر ارتباطا بالزملاء المتواجدين معك. لا تحاول أن تعطي كل المعلومة، تنتظر دورك ويجب ألا تكرر أفكارهم، أمّا في السوشيال ميديا فأنت مطالب بتغطية القصة الكاملة".
ويشرح عواد كيف يُعِد مقاطع الفيديو الخاصة به التي تحقق انتشاراً كبيراً، حيث تجاوز عدد المشتركين في قناته 647 ألف مشترك. ويقول: "الفكرة تبدأ قبل المباراة بأيام. يجب معرفة ظروف كل فريق، وتصريحات المدربين وطريقة تفكير اللاعبين، كل هذه الأمور يجب الانتباه لها" ويضيف: "أعامل المباراة كقصة. لا يجب أن يكون التحليل تكتيكي بحت. هذا مجال له أهله. قصة المباراة تبدأ بأهم المحطات التي أثرت في أداء أفرادها، وبعض الأفكار الفنية المتكررة، وبربط بعض الأحداث والأخبار بما جرى داخل الملعب".
وخلافًا للتوجه السائد مؤخرًا بين كثير من المحللين العرب على يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي، يرفض عوّاد التعمق في الجوانب التكتيكية بشكل كبير خلال المحتوى الذي يقدمه ويفسر ذلك بقوله: "أعتقد أن العالم كله لا يتابع التكتيك المتعمق. على سبيل المثال إذا تابعنا الأساطير في الكرة الإنجليزية والإيطالية والاسبانية عندما يحللون المباريات تجد أنهم لا يتعمقون لأنهم يعرفون أن التكتيك ليس الحكاية الأساسية، فالجوانب الأخرى مثل الذهنية والبدنية والتجانس أهم".
ورغم أن المقاطع التي يقدمها عواد يتحدث خلالها بالفصحى إلا أنها تحقق انتشارًا كبيرًا والسبب في ذلك هو تطعيم الفصحى "بلهجة بيضاء" يفهمها الجميع.
وعن التنافس بين كثير من القنوات على يوتيوب لاجتذاب المشاهدين، يقول عواد: "هذا فضاء مفتوح تماماً، ومن يشاهدني يشاهد غيري. دخلت إلى هذا العالم لأوصل أفكاري، وأتفوق على نفسي لا على الآخرين".