"بايرن ميونيخ بطلًا للدوري الألماني".. باتت هذه الجملة من المسلمات في عالم كرة القدم بسبب هيمنة الفريق البافاري على البوندسليغا لسنوات طويلة.
وعلى الرغم ذلك، حين توّج بايرن بلقب الموسم الحالي عقب فوزه، الثلاثاء، على فيردر بريمن بهدف نظيف، بدا هذا التتويج مختلفًا عن سابقيه.
في بدايات الموسم، تعرض بايرن لهزاتٍ عدة مع مدربه السابق نيكو كوفاتش. وفي الجولة العاشرة، تلقى الفريق هزيمة قاسية من اينتراخت فرانكفورت بنتيجة (5-1) لتقرر إدارة النادي الاستغناء عن خدمات كوفاتش، وتسند المهمة إلى مساعده هانسي فليك بشكل مؤقت.
في تلك اللحظة، كان بايرن في المركز الرابع في جدول الترتيب خلف كل من مونشيتغلادباخ ودورتموند ولايبزيغ. وبدت الفرصة سانحة أمام هذا الثلاثي لإنهاء تلك الهيمنة، وحرمان الفريق البافاري من التتويج باللقب للموسم الثامن على التوالي.
الرجل الجديد
هانسي فليك كان مساعدًا ليواخيم لوف المدير الفني لمنتخب ألمانيا خلال منافسات كأس العالم 2014، وفي بداية الموسم، قرر كوفاتش ضمه لجهازه الفني كمساعدٍ له.
المدير الفني المؤقت لبايرن ليس وجهًا إعلاميًا معروفًا. كان دائمًا يعمل في الظل. إسناد المهمة إليه، ولو بشكل مؤقت، أثار العديد من التساؤلات حول قدرته على إدارة الفريق، وحول احتمال أن يستمر نزيف النقاط فترة أطول تؤثر على قدرة الفريق على الاحتفاظ بلقب الدوري.
كان فليك حاسمًا ومحددًا في مؤتمره الصحافي الأول عقب تعيينه: "نتطلع إلى إجراء تعديلات كثيرة. الفريق يستقبل أهدافًا كثيرة. علينا أن ندافع بشكل مختلف، يجب أن يبدأ الدفاع من مناطق متقدمة، ويجب أن نستعيد الكرة سريعًا، هذه أولوياتي في المرحلة المقبلة".
بعد ثلاثة أيام فقط من تعيينه، قاد فليك الفريق للفوز على أوليمبياكوس (2-0) في دوري أبطال أوروبا، وقبل نهاية أسبوعه الأول كان على موعد مع اختبار صعب أمام أحد أبرز منافسيه بوروسيا دورتموند.
نجح فليك في هذا الاختبار. قاد الفريق لفوز كبير برباعية نظيفة، وظهرت بوضوح بصماته على الفريق.
التطور الواضح والسريع في نتائج الفريق جعل الرئيس التنفيذي للنادي كارل هاينز رومينيغه يعلن استمرار المدرب في منصبه حتى نهاية النصف الأول من الموسم على الأقل.
بالإضافة إلى ثقة الإدارة، حظى المدرب سريعًا بثقة لاعبيه. بعد الفوز على دورتموند تحدث روبرت ليفاندوفسكي هدّاف الفريق قائلًا: "فليك هو الرجل المناسب لقيادة الفريق. يجب أن يحصل على فرصته كاملة حتى نهاية الموسم. علاقته باللاعبين جيدة وخبرته الكروية كبيرة، كما أنه نجح خلال فترة قصيرة في تطوير أداء الفريق ونتائجه. جميع اللاعبين واثقون في قدراته".
واصل الفريق نتائجه الإيجابية، وحقق في بلغراد فوزًا كبيرًا على ريد ستار بنتيحة (6-0) في دوري أبطال أوروبا، قبل ان يتعرض لهزتين قويتين.
في الجولة 13 من الدوري، خسر بايرن على ملعبه من بايرليفركوزن بهدفين مقابل هدف، وفي الجولة التالية خسر الفريق بالنتيجة نفسها من مونشينغلادباخ.
أعادت الهزيمتان الخوف والقلق. وجددتا الأسئلة القديمة عن قدرة فليك على قيادة الفريق للقب الثامن على التوالي، لكنّه سرعان ما تدارك الأمر.
في الجولات الثلاث الختامية من الدور الأول، كان الفوز حليفًا لبايرن ميونيخ على كل من فيردر بريمن وفرايبورغ وفو لفسبورغ على الترتيب.
بنهاية الدور الأول، كان الفارق بين بايرن وبين المتصدر لايبزيغ 4 نقاط. ورغم ذلك، كان ما قدمه فليك خلال تلك الفترة كافيًا لإدارة النادي لتعلن استمراره في منصبه حتى نهاية الموسم.
وقبل نهاية الدور الأول، حظي فليك بإشادة كبيرة من يوب هاينكس، المدير الفني السابق للفريق الذي قاده لتحقيق الثلاثية التاريخية موسم (2012-2013).
في مقال نشرته مجلة "كيكر "قال هاينكس: "تغيّر كل شيء بشكل جذري منذ تعيينه. أصبح الفريق يلعب كرة أجمل وأكثر جماعية" وأضاف: "كل لاعب في الفريق بات يشعر أنه مهم. النجوم يحتاجون بعض الاهتمام، والمدرب يحتاج إلى دعم لاعبيه وتعاطفهم معه، وهذا هو الوضع حاليًا في الفريق".
أما رومينغيه، فقال: "التطور الذي أحدثه فليك داخل الملعب لا يصدق. الأمر مذهل سواءً على مستوى الأداء أو النتائج".
ماذا تغيّر؟
داخل الملعب، أجرى فليك العديد من التغييرات والتعديلات سواءً فيما يتعلق بطريقة اللعب أو باختيارات اللاعبين، وكان لها أثرًا مباشرًا في تطوير الفريق.
قال فليك في المؤتمر الصحافي الذي خصص لتقديمه: "يجب أن يبدأ الدفاع من مناطق متقدمة". وبالفعل، تغيّرت استراتيجية الفريق الدفاعية بشكل كامل. وخلافًا لكوفاتش، الذي كان الفريق في عهده يتراجع كثيرًا لمنتصف ملعبه للدفاع، فإن فليك قرر أن يتقدم الخط الخلفي للفريق إلى الأمام، ليتواجد آخر لاعبي الفريق بالقرب من دائرة منتصف الملعب.
ضغط الفريق بقوة على منافسيه. وأصبح المهاجم ليفاندوفسكي والجناحان سيرجي جنابري وتوماس مولر أول من يحاول افتكاك الكرة من المنافس.
بالإضافة إلى ذلك، قرر فليك الاعتماد على جوشوا كيميتش في منتصف الملعب بدلًا من تواجده في مركز الظهير الأيمن. انتقل كيميتش ليلعب إلى جوار تياغو ألكانترا. وكلف المدرب هذا الثنائي بالتحرك تجاه الكرة دائمًا مع الضغط القوي في نفس التوقيت على حامل الكرة، ما سهّل مهمة افتكاكها من الخصم في فترة قصيرة.
نجح فليك في إيجاد حل لأزمة أخرى هي بناء الهجمة. ولم يكتفِ المدرب بمنح تعليمات للثنائي كيميتش وتياغو بالنزول بين قلبي الدفاع عند بناء الهجمات للسماح للظهيرين بالتقدم، لكنه طالب المدافعين بتمرير كرات طويلة تجاه المهاجم ليفاندوفسكي أو الجناحين مولر وجنابري لتجنب الضغط العالي من المنافسين، وتجنب قطع الكرة في مناطق خطرة.
وكان للتغييرات التي قام بها المدرب على التشكيل أثر إيجابي كبير. حيث قرر الاعتماد على الظهير الأيسر ألابا في مركز قلب الدفاع بعدما ضربته الإصابات، ومنح الفرصة أمام الكندي الشاب ألفونسو ديفيز ليشغل مركز الظهير الأيسر، وتألق ابن الـ19 عامًا وقدم مردودًا مميزًا منذ مشاركته الأولى.
كذلك، اعتمد المدرب على لاعبه المخضرم توماس مولر بشكل أساسي في مركز الجناح. ولم يخيب مولر توقعات فليك. وصنع اللاعب الألماني المتوج بالمونديال 20 هدفًا في الدوري هذا الموسم، وبات أكثر لاعب يصنع أهدافًا خلال موسم واحد في تاريخ المسابقة، كما سجل مولر 7 أهداف.
إلى الصدارة
واصل بايرن نتائجه الإيجابية مع انطلاقة الدور الثاني من المسابقة. فاز على هيرثا برلين (4-0) ثم على شالكة (5-0) ثم تفوق على ماينز (3-1).
بعد هذه الانتصارات الثلاثة قفز بايرن إلى الصدارة. وفي الجولة التالية، تعادل سلبيًا مع أقرب منافسيه فريق لايبزيغ ليستمر في موقعه متصدرًا للبوندسليغا.
امتد نجاح الفريق إلى المنافسات الأوروبية. وفي دوري أبطال أوروبا تفوق بايرن على توتنهام (3-1) في ختام مرحلة المجموعات، وفي مباراة ذهاب دور الـ16 أمام تشيلسي الإنجليزي، نجح بطل ألمانيا في الفوز خارج ملعبه (3-0).
سلسلة النجاحات المحلية، تواصلت حيث حقق الفريق أربعة انتصارات متتالية في مسابقة الدوري قبل توقفها في مارس الماضي بسبب انتشار فيروس كورونا.
وبعد العودة من التوقف، لم يوُقف أحد قطار انتصارات الفريق البافاري الذي نجح في حقيق سبعة انتصارات متتالية، ليتوج رسميًا بالبطولة قبل نهايتها بجولتين، بعد فوزه على فيردر بريمن بهدف نظيف الثلاثاء الماضي.





