
لعلّ من حسن حظ ريال مدريد وبرشلونة أن مبارياتهما تجتذب مئات الملايين من المشاهدين، يتسمّرون أمام شاشاتهم أياً يكن مستوى ما يُتابعونه على أرض الملعب، على الرغم من ذلك لم يرتق الكلاسيكو الذي جمع عملاقي الكرة الإسبانية يوم الأحد، إلى المستوى المطلوب من ناديين يشكلان - مع فريق أخرى عريقة - صفوة المشهد الكروي في أوروبا.
"غبار" المعركة على ملعب سانتياغو برنابيو لم يحجب أن ريال مدريد وبرشلونة يشهدان تراجعاً مستمراً في أدائهما أخيراً، ولو أن الحماسة والإثارة التي تثيرها لقاءاتهما، تتجاوز أي اعتبار كروي وفني.
ريال مدريد الفائز 2-0 قدّم مستوى مقنعاً في الشوط الثاني من المباراة، استحق من خلاله الفوز، لكن ذلك يجب ألا يعمي أبصار مشجعي النادي، ولا الإعلاميين والمحللين الرياضيين، عن أن الفريق في حاجة ماسة إلى "تغيير جلده" وفتح صفحة جديدة تستعيد أمجاده، محلياً وقارياً.
ما حققه النادي الأبيض في السنوات الأخيرة في أوروبا، من الفوز بدوري الأبطال 4 مرات خلال 5 سنوات، سجل تاريخاً في سجلات الكرة بالقارة العجوز بلا شك، لكن الزمن لا يتوقف، وعلى الأندية الناجحة أن تنفذ عملية "تغيير الجلد" وهي في قمة مجدها، وألا تنتظر سقوطاً حتمياً، لتدرك أن ما مضى قد مضى، وأن عليها الاستناد إلى النجاحات التي حققتها لتبني فريقاً جديداً يقودها إلى انتصارات أخرى.
إنها سنّة كرة القدم والحياة عموماً.. لا شيء يدوم إلى الأبد، والتوليفة التي أصابت نجاحاً لموسمين أو ثلاثة، ستتلف في نهاية المطاف، إذ أن العطّار لن يصلح ما أفسده الدهر.
إنجاز ملكي
ستحتفظ الذاكرة المدريدية إلى الأبد بإنجازات تاريخية حققتها كتيبة المدرب الفرنسي زين الدين زيدان، خلال حقبته الأولى مدرباً للنادي. لكن على ريال مدريد شكر لاعبين أسطوريين، مثل البرازيلي مارسيلو والكرواتي لوكا مودريتش، وطيّ صفحة وفتح أخرى لا شكّ أنها ستكون ناجحة. لماذا؟ لأن النادي استثمر في لاعبين ناشئين ينتظرهم مستقبل باهر، مثل البرازيليين فينيسيوس جونيور ورودريغو ورينيير جيسوس وإيدير ميليتاو، والنرويجي مارتن أوديغارد، والياباني تاكيفوزا كوبو، والمغربي أشرف حكيمي، ناهيك عن الأوروغواياني فيديريكو فالفيردي وآخرين، في انتظار ضمّ الفرنسي كيليان مبابي.
ليس على زيدان سوى إيجاد توليفة ناجحة من هؤلاء، تمهد أيضاً لإبدال نجوم آخرين، مثل الإسباني سيرخيو راموس والفرنسي كريم بنزيما.
كرة القدم ليست عملية حسابية طبعاً، والألقاب ليست مضمونة وتتجاوز غالباً أي مقاربة منطقية، لكن يُحسب لرئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز أنه استشرف التغييرات التي شهدتها اللعبة في أوروبا، وجمع كوكبة من اللاعبين الناشئين القادرين على المنافسة على الألقاب، وربما الفوز بها.
في المقابل لا يمكن لأي مشجع لبرشلونة، يتمتع بحدّ أدنى من الحسّ النقدي، ألا يبدي قلقاً من المسار الذي جنح إليه النادي في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعدما فشل بشكل متكرر في وضع كأس دوري الأبطال في خزانته منذ 2015، إضافة إلى خسارات لم ترق إلى مستوى طموحات مشجعيه.
سيطرة مطلقة
السيطرة شبه المطلقة التي فرضها النادي الكاتالوني على الدوري الإسباني في المواسم الأخيرة، يجب ألا تحجب أن ثمة خللاً بنيوياً في تشكيلة الفريق، يعجز حتى لاعب فذّ مثل الأرجنتيني ليونيل ميسي عن علاجه.
بل أن السياسات الخاطئة التي انتهجتها الإدارات المتعاقبة في المواسم الأخيرة، تمهّد لسقوط قد يكون وشيكاً، يشي بذلك مسار انحداري واضح للفريق، بدّد أفضل سنوات في مسيرة ميسي، التي كان يمكن أن يقدم فيها أكثر مما قدم، لو نجحت تلك الإدارات في جمع تشكيلة متوازنة، تمكّن الكتالونيين من مقارعة أبرز أندية أوروبا على "الكأس ذات الأذنين الطويلتين"، أي لقب دوري الأبطال في القارة العجوز.
يعجبُ المرء من حجم الأخطاء التي ارتكبتها إدارة الرئيس جوزيب ماريا بارتوميو، والتي "يتمنّاها" كل خصم لبرشلونة، فالإدارة التي تخلّت عن المهاجمين الناشئين كارليس بيريز وأبيل رويز الشهر الماضي، على رغم إصابة الأوروغواياني لويس سواريز، دفعت لاحقاً 18 مليون يورو للتعاقد مع مهاجم ليغانيس الدنماركي مارتن بريثوايت.
كما أن النادي تأخر كثيراً في إيجاد بدائل، ولو مستقبلية، للاعبين يشكّلون العمود الفقري للفريق، وبلغوا الثلاثين من العمر أو تجاوزوا ذلك، مثل جيرار بيكيه، وجوردي ألبا، وسيرغيو بوسكتس، وإيفان راكيتيتش، وأرتورو فيدال، وسواريز، ناهيك عن فشل صفقتَي البرازيلي فيليب كوتينيو والفرنسي عثمان ديمبيلي.. والسؤال الوجودي الذي يجب أن يتصدّر جدول أعمال برشلونة بشكل ملحّ: ماذا بعد ميسي؟
ولعل الطامة الكبرى تكمن في السياسة المالية الانتحارية التي يعتمدها النادي، والتي أدت إلى تضخم تاريخي في ديونه، إذ تجاوزت المليار يورو، ما يهدد استقراره وينبئ بحقبة مضطربة سيعانيها الكتالونيون في مستقبل غير بعيد.




